من هندسة الحوار إلى الأطماع الإسرائيلية في باب المندب: كيف يُفشل المشروعُ القرآنيُّ كلَّ الهندسات؟
عدنان عبدالله الجنيد …..
الملخص:
تهدف هذه الورقة البحثية إلى تحليل مشروع الانفصال والتقسيم في اليمن الذي برز ضمن مؤتمر الحوار الوطني الشامل (2013–2014)، وبيان جذوره البنيوية، وأطرافه الداخلية والخارجية، مع تفكيك العلاقة العضوية بين هذه المشاريع والأطماع الإسرائيلية المتصاعدة في جنوب اليمن وباب المندب والبحر الأحمر. كما تدرس الورقة الدور الحاسم للمشروع القرآني، بوصفه إطارًا فكريًا–سياديًا–استراتيجيًا، في إفشال محاولات الاستكبار العالمي لإعادة هندسة اليمن والمنطقة.
تعتمد الدراسة منهجية تحليلية بنيوية–استراتيجية، تجمع بين التحليل السياسي والعسكري والجيوسياسي والفكري، مع تركيز خاص على المرحلة 2024–2025، حيث انتقلت الأطماع الإسرائيلية–الأمريكية من مستوى التخطيط غير المباشر إلى محاولات فرض الوقائع في البحر الأحمر.
وتخلص الورقة إلى أن فشل مشاريع التقسيم في اليمن لا يمثل إخفاقًا محليًا، بل هزيمة استراتيجية لهندسات أمريكية–إسرائيلية كانت تهدف إلى ضبط الممرات البحرية العالمية وإعادة تشكيل الجغرافيا السياسية للمنطقة.
الكلمات المفتاحية:
اليمن، الحوار الوطني، مشروع الانفصال، الأقاليم الستة، الأطماع الإسرائيلية، باب المندب، البحر الأحمر، المشروع القرآني، الردع البحري، الاستكبار العالمي.
المقدمة:
شهد اليمن خلال العقدين الأخيرين صراعًا مركّبًا بين مسارات داخلية سعت – نظريًا – إلى إعادة بناء الدولة، وتدخلات خارجية عملت عمليًا على إعادة إنتاج التبعية وتفكيك الكيان الوطني. وقد جاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل بوصفه محاولة لإعادة ترتيب البيت اليمني، غير أن مسار الحوار سرعان ما تحوّل، بفعل التدخل الخارجي، إلى منصة لهندسة مشاريع التقسيم، بما يخدم مصالح إقليمية ودولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وإسرائيل.
تنطلق هذه الورقة من فرضية مركزية مفادها أن فشل مشاريع التقسيم في اليمن لم يكن نتيجة تعثّر إداري أو خلافات داخلية فحسب، بل ثمرة مواجهة بين مشروعين متناقضين:
مشروع الهيمنة وإعادة الهندسة الجيوسياسية بقيادة واشنطن وتل أبيب.
والمشروع القرآني بوصفه مشروع سيادة ووحدة ورفض للوصاية.
وعليه، تركّز الورقة على ثلاثة محاور رئيسية:
1- تحليل هندسة مشاريع التقسيم داخل أروقة الحوار الوطني.
2- تفكيك الأطماع الإسرائيلية في جنوب اليمن وباب المندب والبحر الأحمر.
3- إبراز الدور المركزي للمشروع القرآني في إفشال هندسات الاستكبار العالمي وتحويل اليمن من ساحة خاضعة للضغط إلى فاعل مربك للاستراتيجية الأمريكية–الإسرائيلية.
الفصل الأول: تبنّي الأطراف اليمنية لمشاريع التقسيم:
أولًا: مشروع الأقاليم الستة – التقسيم بوصفه هندسة وصاية:
طرحت السلطة الانتقالية بقيادة المرتزق عبدربه منصور هادي، مدعومة بحزب الإصلاح، مشروع تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم تحت لافتة “الإدارة اللامركزية”.
غير أن هذا المشروع، كما أوضح السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي يحفظة الله ،في خطاب 4 يناير 2015، لم يكن نتاج توافق وطني، بل “انقلابًا على مخرجات الحوار الحقيقية”، ووسيلة لتفتيت البلاد إلى كنتونات ضعيفة، معزولة اقتصاديًا، ومجردة من مقومات السيادة.
ويُظهر التحليل البنيوي أن هذا المشروع:
عزل المحافظات الشمالية (صعدة، الجوف) عن الثروة والمنافذ.
كرّس تفاوتًا بنيويًا بين “أقاليم غنية” وأخرى “محرومة”.
هيّأ الأرضية لتدويل الملف اليمني وربطه بالوصاية الأمريكية–السعودية.
ثانيًا: مشروع الإقليمين – قراءة سياسية لمظلومية حقيقية:
طرح الحزب الاشتراكي اليمني وبعض فصائل الحراك الجنوبي مشروع “الإقليمين” أو حق تقرير المصير، بوصفه رد فعل على مظلومية سياسية وتاريخية أعقبت حرب 1994.
ورغم مشروعية تشخيص المظلومية، إلا أن تحويلها إلى حل جغرافي، دون تفكيك بنية السلطة والوصاية الخارجية، كان – موضوعيًا – يخدم مشاريع التفكيك الإقليمي.
ثالثًا: أنصار الله من داخل الحوار – تفكيك هندسة التقسيم وتقديم رؤية عادلة للقضية الجنوبية
خلافًا للسرديات السائدة، خاضت أنصار الله مؤتمر الحوار من موقع تحليلي بنيوي، معتبرة أن القضية الجنوبية ليست أزمة جغرافيا بل أزمة دولة. وقدّمت رؤية متقدمة انطلقت من:
تشخيص حرب 1994 كحدث مؤسس للمظلومية الجنوبية.
تحميل “نظام الغلبة” في صنعاء المسؤولية الأساسية عن إفشال الشراكة.
التمييز بين “اليمن الحضاري” كهوية جامعة، و”اليمن السياسي” كدولة فاشلة.
كما أكدت تاريخية موقفها الرافض للحرب على الجنوب، مستندة إلى موقف الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي ،رضوان الله عليه ،عام 1993.
وبهذا الطرح، أسقطت أنصار الله الأساس النظري لمشاريع التقسيم، وطرحت إعادة هيكلة السلطة وبناء الدولة المستقلة شرطًا سابقًا لأي حل عادل.
الفصل الثاني: الأطراف الخارجية ومصالحها الاستراتيجية:
أولًا: الولايات المتحدة والسعودية – إفشال الحوار وصناعة الفوضى:
يؤكد السيد عبدالملك الحوثي،يحفظه الله، في خطاب 21 سبتمبر 2014 وخطابات “يوم الصمود”، أن واشنطن كانت “المهندس الفعلي” لمشروع الأقاليم، فيما لعبت السعودية دور المموّل والمُعطِّل لبنود الشراكة الوطنية، مستخدمة المال السياسي لشراء الولاءات داخل الحوار.
وتكشف التجربة أن فشل الحوار لم يكن ذاتيًا، بل نتيجة تدخل خارجي مباشر حال دون ولادة دولة يمنية مستقلة.
ثانيًا: الأطماع الإسرائيلية – من التخطيط الصامت إلى الاشتباك المفتوح:
تُظهر المعطيات الاستراتيجية أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من تفكيك اليمن.
فقد ركّزت أطماعها على:
باب المندب بوصفه شريانًا لأمنها القومي.
جنوب اليمن والجزر الاستراتيجية (ميون، عبد الكوري).
ربط مشاريع مثل “قناة بن غوريون” بإضعاف مصر واليمن معًا.
وفي خطاباته خلال 2024–2025، أكد السيد عبدالملك الحوثي يحفظة الله أن إسرائيل ترى في اليمن خطرًا استراتيجيًا مباشرًا، وأن السيطرة على البحر الأحمر جزء من عقيدتها التوسعية.
الفصل الثالث: الأهداف الحقيقية ومخاطر التقسيم على اليمن:
1- المخاطر السياسية والاقتصادية:
نهب الثروات النفطية والبحرية.
تحويل الكيانات الناتجة إلى دول وظيفية.
تكريس التبعية الاقتصادية.
2-المخاطر الاجتماعية والإنسانية:
تفكيك النسيج الاجتماعي.
تهجير السكان.
إنتاج صراعات داخلية دائمة.
3- الخطر الاستراتيجي:
تقسيم اليمن يعني وضع البحر الأحمر تحت نفوذ إسرائيلي غير مباشر، وتهديد الأمن الإقليمي والدولي.
الفصل الرابع: باب المندب والبحر الأحمر – من عقدة جغرافية إلى ساحة فشل استراتيجي:
تكشف التجربة اليمنية أن إدارة دونالد ترامب فشلت في فرض نموذج “السلام بالقوة”.
فقد انهار تصنيف أنصار الله كجماعة إرهابية أمام واقع الردع البحري، وتحول اليمن من ساحة ضغط أمريكي إلى عقدة أربكت القيادة المركزية الأمريكية .
كما أظهرت سياسات المجرم بنيامين نتنياهو أن مغامراته التوسعية لم تحقق الأمن لإسرائيل، بل فتحت جبهة يمنية بحرية غير مسبوقة، حوّلت إسرائيل من قوة ردع إلى عبء أمني على حلفائها.
وتشير المعطيات إلى أن إحياء مشاريع التقسيم بعد 2023 لم يكن سوى محاولة أمريكية–إسرائيلية للهروب من نتائج الفشل العسكري في البحر الأحمر، وتحويل الهزيمة إلى مسار سياسي التفافي.
الفصل الخامس: سبل التصدي – المشروع القرآني ومعادلة الردع الشامل:
1_التلاحم الشعبي والوعي السيادي
2- بناء القدرات البحرية والصاروخية
3- التحالفات الإقليمية ومحور المقاومة
4- المشروع القرآني كإطار قيمي–استراتيجي:
5- معادلة الردع الشامل:
تشير المؤشرات الاستراتيجية إلى أن أي محاولة لفرض كيان وظيفي في جنوب اليمن ستؤدي إلى توسيع الصراع ليشمل المصالح الأمريكية والإسرائيلية في كامل الإقليم.
الخاتمة:
تخلص الورقة إلى أن المشاريع الانفصالية والأطماع الإسرائيلية في اليمن ليست سوى أدوات ضمن هندسة استعمارية فشلت أمام مشروع قرآني متكامل، ربط الوعي الشعبي بالقدرة العسكرية والسيادة السياسية.
وللمرة الأولى منذ عقود، تجد الولايات المتحدة وإسرائيل نفسيهما أمام فاعل إقليمي لا يمكن احتواؤه بالعقوبات، ولا إخضاعه بالقوة، ولا تفكيكه بالحوار المُهندس.
الاستنتاج الرئيس:
إن أخطر ما في التجربة اليمنية ليس قدرتها على الصمود، بل قدرتها على الإلهام… وهذا ما يُقلق واشنطن وتل أبيب أكثر من الصواريخ.
المراجع والمصادر:
1- السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، سلسلة الخطابات والمحاضرات (2014–2025)، الأرشيف الرسمي – شبكة المسيرة.
2- مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الوثيقة النهائية للمخرجات، صنعاء (2014).
3- المركز الديمقراطي العربي، إيمان مخيمر، هندسة التقسيم في مؤتمر الحوار الوطني، برلين.
4- مركز الدراسات الفلسطينية (مدار)، الأطماع الصهيونية في الممرات العربية، رام الله.
5- مركز صنعاء للدراسات، التواجد الأجنبي في الجزر اليمنية (2024–2025).
الكاتب من اليمن