عملية إيجاد قيادة لثورة يناير… من هنا كانت الهزيمة!

 

بمناسبة الذكرى السنوية السادسة للمغفور لها بإذن الله تعالى «ثورة يناير» أكتب.
لا أعرف المناسبة التي قلت فيها من «ميدان التحرير» وفي مداخلة هاتفية مع قناة «الجزيرة»: «إن الثورة لم تفرز زعامات، ولكنها أنتجت مطالب»، فلا أتذكر هل هذه المقولة، التي استخدمتها كثيراً بعد ذلك، كان إطلاقها لأول مرة بعد لقاء عدد من الشباب مع (اللواء) عمر سليمان المعين نائباً لرئيس الجمهورية، أم بعد اللقاء مع (الفريق) أحمد شفيق المعين رئيساً للوزراء!
الشاهد أنه في المرتين تسحب عدد من الشباب على أطراف أصابعهم وخرجوا من الميدان لتلبية دعوة في المرة الأولى من «سليمان»، ودعوة في المرة الثانية من «شفيق» للتفاوض معهم باسم الثورة، وبدون التشاور مع من في الميدان للقيام بهذه المهمة، وربما كانوا في كل مرة يظنون أن الإعلام لن يكشف سترهم، لكن في المرتين كان اللقاء خبراً في نشرة الأخبار في التلفزيون المصري، فيتم الإعلان من الميدان أن هؤلاء الشباب لا يمثلون الثورة ولكنهم يمثلون أنفسهم!
كان واضحاً أن لدى النظام القائم رغبة في تخليق زعامة للثورة يمكنه التفاوض معها، وعندما يأسوا من تخليق زعامة لها من قلب الميدان، كان أن أعلنت منى الشاذلي في برنامجها ذائع الصيت، أن شاباً اسمه وائل غنيم جرى اعتقاله ليلة الثورة، لأنه من يقوم على صفحة خالد سعيد، وتم التدشين لفكرة أن هذه الصفحة هي التي وقفت وراء الدعوة للتظاهر، ولم أكن قبل هذه الفترة قد سمعت عنها، لكن كان الملاحظ هو إعلان القيادي في الحزب الوطني الحاكم حسام بدراوي، أنه يعمل على الإفراج عن وائل غنيم، ليصطحبه بنفسه إلى «ميدان التحرير»!
إلى الآن لا نعرف ملابسات اعتقال وائل غنيم، لكن المقطوع به أنه لم يعتقل لأسباب لها علاقة بالدعوة لثورة يناير، ولم يصطحبه بدراوي لأسباب لا نعرفها إلى «التحرير»، لكنه ظهر على شاشة قناة «دريم» ومع «منى الشاذلي»، التي قالت إن بينهما سابق معرفة، فهل كانت تعرفه فعلاً؟!
تحدث وائل غنيم عن حزنه على شهداء الثورة، وأنه يأسف لقتلهم بعد أن استجابوا لدعوته للثورة، ولم يتمالك نفسه فبكى، وخرج مسرعاً من الأستوديو، وحاولت منى الشاذلي اللحاق به، ولكنها عادت بمفردها. فقد كانت ليلة حزينة، أحسب أن كثيرين تأثروا بالمشهد حتى وإن لم يكونوا يعرفون وائل غنيم أو يطالعون صفحة «خالد سعيد»، من قبل، والتي تبين بعد ذلك أنها كانت تعمل «وغنيم» في السجن، وأيضاً عندما انقطع الانترنت في مصر!

منى الشاذلي زعيمة المعارضة

كان يجري التعامل مع منى الشاذلي إلى هذا الحين باعتبارها المذيعة المرموقة، وإن كانت تجد صعوبة في النطق، وباعتبارها أيضاً ممثلة المعارضة، حتى وإن كانت تعمل في فضائية «دريم» المملوكة لرجل الأعمال المقرب من مبارك أحمد بهجت، وكأن السلطة الأمنية في عهد المخلوع التي تتحكم في ظهور الضيوف على القنوات التلفزيونية، يمكن أن تسمح بوجود مذيعة معارضة على شاشة قناة مصرية!
كان المشهد كله عبثياً، لكنه انتهى ببكاء منى الشاذلي بعد خطاب مبارك العاطفي الذي قال إنه يريد أن يدفن في أرض مصر، ومن هنا فقد انتهت المذكورة تماماً، وعندما تقرر لها العودة ابتعدت عن السياسة، إلى المنوعات، وتحاول لميس الحديدي أن تلحق بها، بعد أن رأت رأس إبراهيم عيسى الطائر، فكانت حلقة اللقاء مع «أبله فاهيتا»، والتي بدت فيها لميس فاقدة لاتزانها، وهي تقول «وعمرو بيقولي يا لولو» تقصد بعلها عمرو أديب، فهل يقول لها فعلاً عمرو: «يا لولو»، له الجنة ونعيمها إذن!
لم يغادر مبارك، إلا وقد انكشف اثنان: منى الشاذلي ووائل غنيم، الذي قال بعد خطاب مبارك في ليلة التنحي الذي أكد فيه أنه مستمر في الحكم، بأن الثورة حققت أهدافها، ولم يكن كلامه مقبولا في ميدان التحرير، وبعد ذلك حاولت قوى دولية النفخ فيه، لتأكيد قيادته للثورة، ليمكنها أن يكون لها وجود فيها من خلاله، وتم تمكينه من تأليف كتاب عن الثورة المصرية، لصالح دور نشر عالمية من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، أدهشني أنه كتاب ضخم، لشخص لم يكن شاهد على الثورة في محطاتها الرئيسية، ففي اليوم الأول كان في الخارج، وفي جمعة الغضب كان في السجن، وفي اليوم الأخير وعندما حاصر الثوار القصر الجمهوري كان في بيته!
وبعد التنحي، استمر المجلس العسكري في مهمة مبارك في تخليق صناع لثورة لم تفرز زعامات ولكنها أنتجت مطالب، وقد غادر الثوار إلى بيوتهم مع وجود قلة في الميدان ترفض التسليم للمجلس العسكري، تشكلت الائتلافات الثورية، وكثير من الائتلافات كانت لا تضم إلا شخصا واحدا، وعرفنا اصطلاح شباب الثورة، الذين صنعهم المجلس العسكري على عينه، وهم الذين مكنوا العسكر من التمدد في المشهد، وساهموا في ترويج أكذوبة الجيش الذي حمى الثورة، لكي يبرروا تمكين كل زناة الليل منها!

صناعة عصام شرف

هؤلاء هم الذين روجوا لأكذوبة أخرى هي أن عصام شرف هو رئيس الوزراء القادم من ميدان التحرير، ويدهشني أن البرادعي في لقاءاته مع «التلفزيون العربي» يعترف بأنه من طرح اسم «شرف» وزير النقل في عهد مبارك رئيساً للوزراء، ولا نعرف ملابسات ضمه لحركة «9 مارس لاستقلال الجامعات»، وقد مر من ميدان التحرير ذات يوم من أيام الثورة، ولا نعرف أسباب مروره، لا سيما وأنه شارك بعد ذلك في آخر اجتماع للجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم التي كان يترأسها جمال مبارك، وهل كان مروره من «التحرير» للتضامن، أم للوقوف على حقيقة الموقف، وكان بعض المقربين من جمال مبارك، يأتون للميدان للاستطلاع ولم يكن ينفون ذلك، وفي يوم 25 يناير وعندما جن الليل شاهدنا ثلاثة من الصحافيين المقربين من المرحلة ومن الأجهزة الأمنية في الميدان!
لم ينضم شرف لحركة استقلال الجامعات قبل الثورة، فانضمامه لها كان متأخراً، وكنت أقول دائما أنه رئيس الحكومة القادم من لجنة السياسات، لكن صوتي كان يختفي بقوة الدعاية الثورية التي تقول إنه رئيس الحكومة القادم من ميدان التحرير!
«شرف» خصص حجرة بجوار مكتبه لشباب الثورة، وكتبت أنعي ثورة تم اختزالها في مجرد حجرة بمكتب رئيس الحكومة، لكن شباب الثورة كانوا سعداء بذلك، وعندما كانت المطالب ترتفع بحكومة جديدة، كان يتم تسليم كل واحد منهم ورقة وقلم، ويطلب منه تشكيل الحكومة، دون الالتفات إلى ورقة الغير، في مشهد ساخر وكأنهم في امتحان.
هؤلاء الشباب، كانوا يبحثون عن من يمنحهم الشرعية بأنهم الثورة، وبعضهم كان موفداً للأجهزة الأمنية للميدان، فلما سقط مبارك، فقدت الأجهزة التواصل معهم فانطلقوا يتحدثون باسم الثورة وقد شاركوا بالحضور فيها!
كان المجلس العسكري وباعتباره الجهة المانحة للشرعية الرسمية، بحاجة إلى هؤلاء الشباب، لاستخدامهم للمناورة مع الإخوان، ثم ذهب الشباب ليمنحوا الشرعية لمعارضة مبارك، التي كان يستغلها لإثبات اعتراف نظامه بالتعددية السياسية، والذين كانت إدارتهم تتم من خلال أجهزة الأمن، فشخص كسامح عاشور المتنازع على رئاسة الحزب الناصري، أصبح من حقه أن يتكلم باسم الثورة، مع أنه قال إن حزبه لن يشارك في مظاهرات لا يعرف هوية الداعين إليها، وأن مبارك خط أحمر!

تمكين إعلام مبارك

لقد شهد الإعلام «ظاهرة المتحولين»، بقيام مقدمي البرامج، ورؤساء تحرير الصحف القومية من أهل المولاة لنظام مبارك، بالانتقال لمعسكر الثورة، وبدلاً من أن تقوم الثورة بالقطيعة مع هذا الإعلام الذي شيطنها، إذ بمن حصلوا على «ختم النسر»، وهو «ختم شعار الجمهورية» بأنهم الثورة، يؤسسون للمرحلة الجديدة لهؤلاء الإعلاميين بالظهور معهم، مدفوعون بانتهازية عرفت منهم بالضرورة!
منذ البداية كتبت منتقداً محاولة اختزال الثورة في هؤلاء، والتعامل معهم على أنهم الممثلين الشرعيين لها، لأنه بطموحهم وجنوحهم وانتهازيتهم وعلاقاتهم الخارجية أكبر خطر عليها ويُعتبرون نقطة ضعفها، لكن مؤخراً ومناسبة ذكرى الثورة وجدت سؤالاً يطرح نفسه على ذهني من وقف وراء نجومية هؤلاء؟ أو بمعنى من قدمهم للفضائيات المختلفة على أنهم الثورة المصرية؟!
وطرحت السؤال على أهل الذكر، لا سيما من كانوا يقومون باستضافة الضيوف سواء في التلفزيون المصري أو غيره، وعلمت أن الأمر في التلفزيون المصري كان يقوم به رجل جمال مبارك ورجل المجلس العسكري رؤوف المناوي، قبل أن تطرده الثورة من التلفزيون، وكانت أذرع المناوي تتمثل في ثلاثة من رؤساء تحرير البرامج كان قد اصطحبهم معه من خارج المبنى، وعندما طرد الثوار في ماسبيرو المناوي، بعد أن تلكأ المجلس العسكري في إقالته كان اختيار ممثلين للثورة هو قرار عسكري في المقام الأول، خذ فلاناً، ولا تأخذ فلاناً!
كان المجلس العسكري الحاكم، باختيار من يمثلون الثورة يضع في اعتباره، أن يتم شيطنتها في أذهان الناس بشباب يبدو أنه ليس من هنا، فأيهما أولى بالحكم: من يمثلون الرزانة الشكلية أم هؤلاء الشباب؟! والعسكر قد أساءوا لميدان التحرير بدفع البلطجية إليه وإذ جاء الضيوف الأجانب لزيارة الميدان، فقد وجدوا فيه شبيحة يحاولون الاعتداء عليهم!
كان لدى هذا الفصيل من شباب الثورة دراية بمؤامرة العسكر عليها، لكنهم مع ذلك استمروا في تحالفهم معه، لأن البديل هو سحب «ختم الشرعية» منهم، وهو ما حدث بالفعل، عندما تم الاعتداء على أسر الشهداء في مظاهرة أمام مسرح البالون، وبعد اقل من ساعة كان الثوار يشكلون مليونية في الميدان، احتجاجاً على هذا الاعتداء بينما هؤلاء في حجرة رئيس الحكومة وعندما قيل له إن الثوار يملئون الميدان، كان كمن كذب حتى صدق نفسه وعلق: ثوار؟ وأنتم؟!
إن سبر أغوار ما كان يحدث في كواليس القنوات الفضائيات في تحديد الشباب الذين يعبرون عن الثورة، يمكن أن يمثل بداية الإجابة على سؤال أكثر أهمية وهو: كيف تم القضاء على هذه الثورة؟!

صحافي من مصر

** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط

قد يعجبك ايضا