يسألونك عن الاحترام…..
لا أدري ما الذي حصل هذه الأيام حتى تحظى كلمة الاحترام بكل هذا الاستعمالات المتعددة، وعلى لسان أكثر من مسؤول.
أولهم الرئيس ترامب الذي ما كان احترام الآخرين يوما على جدول أعماله. مع ذلك ها هو يقول «إنني بالفعل أحترم بوتين، كما أحترم الكثير من الناس، لكن ذلك لا يعني أنّني سأتوافق معهم». ويبدو أن كلمة «احترام» هذه استدعت الشرح والتفسير من نائب الرئيس مايك بانس حين قال إن «دفاع الرئيس ترامب عن نظيره الروسي ورفضه وصفه بالقاتل، يأتي من منطلق إيمانه بضرورة احترام قادة الدول، فهو يودّ أن يعامل في كل دول العالم بنفس الاحترام الذي يكنّه لنظرائه ومن بينهم بوتين». وأضاف وهو يستمتع بتكرار مفردة الاحترام أن «احترام ترامب لبوتين لا يعني أنه متفق معه أو أنه لن يعارضه، لكنه يؤمن بأن عالم اليوم سيصبح أكثر أمنا بالحوار والتعاون بين روسيا والولايات المتّحدة».
ولم يكن ترامب في معرض استعماله الأول لكلمة الاحترام، الغريبة حقيقة عن تصرفاته، فقد سبق له أن صرح بعد إلغاء لقائه مع الرئيس المكسيكي الذي كان يفترض أن يزور بلاده أنه «ما لم تعامل المكسيك الولايات المتحدة بإنصاف واحترام فإن اجتماعا كهذا لن يكون مثمرا» مع أن الرئيس المكسيكي المسكين انريكي بينيا نييتو سبق له أن صرح قبل الإلغاء الذي جاء على خلفية بناء جدار مع بلاده يصر الرئيس الأمريكي أن يكون المكسيك هو من يدفع تكلفته بأننا «سنقيم حواراً محترماً مع ادارة ترامب».
ولم يكتف ترامب باستعمال الاحترام من عدمه في سياق حديثه عن بوتين أو الرئيس المكسيكي بل امتد إلى إيران التي اتهمها بقله احترام بلاده حين أوضح أنّه لا يشعر بأي تفاؤل حيال إيران، مضيفا أنّه كان من الممكن أن يتعايش مع تلك الصفقة التي عقدت معها في حال «اقتنع بها الإيرانيون وشعروا أننا أصبحنا جميعنا معا، لكنهم أظهروا العكس تماما، كما لو أنهم تشجعوا فأخذوا يتابعون طائراتنا ويحيطون بسفننا بقواربهم الصغيرة، وفقدوا الاحترام (لبلاده)».
وحيث أن الاحترام بالاحترام يذكر، فقد امتد لمن أشار إليهم ترامب أيضا فوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف قال إن الاتصال الهاتفي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت أظهر «الاحترام المتبادل بين الرجلين» فيما أعرب الرئيس الكوبي راوول كاسترو الأربعاء عن استعداده لإجراء «حوار قائم على الاحترام» مع نظيره الأمريكي دونالد ترامب في حال لم يتم التشكيك بـ»سيادة واستقلال» كوبا، مضيفا في سياق رد له قبل فترة على كلام ترامب، الذي قال فيه بأنه قد يراجع سياسة التطبيع بين بلاده وكوبا، أن هافانا مستعدة «لمواصلة الحوار القائم على الاحترام والتعاون بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك مع الحكومة الجديدة للرئيس دونالد ترامب».
ولم تغب مفردة الاحترام حتى عن المعلقين على ما يفعله ترامب فقد علقت إحدى الخبيرات الألمانيات على المؤتمر الصحافي الأول للرئيس ترامب فانتقدت بالخصوص طريقة تعامله الفظ مع وسائل الإعلام مشيرة إلى أنه كان «قليل الاحترام تجاه وسائل الإعلام باستثناء الصحافيين الذين يبجلونه». أما صحيفة «غارديان» البريطانية فتناولت الاحترام في سياق أكثر خطورة، فقد رأت في سياق تعليقها على الخلاف القائم بين إدارة الرئيس ترامب والقضاء الأمريكي، على خلفية رفض محكمة استئناف في مدينة سان فرانسيسكو الدعوى المستعجلة المقدمة من وزارة العدل لإعادة تطبيق حظر السفر الذي فرضه ترامب وعلقه القضاء انتظارا للفصل فيه، أن هناك قلقا أوسع نطاقا بخصوص ترامب ذلك أن تصرفاته «يمكن أن تعجل بانهيار الاحترام للمؤسسات القائمة (خاصة) وقد سبق أن تعرضت وسائل الإعلام للهجوم والآن المحاكم».
وقد كانت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني قد قالت بعد يومين من قرار ترامب المثير للجدل حول المهاجرين والذي استهدف فيه ايضا سبع دول إسلامية إن كل مهاجر يستحق «الاحترام» مهما كانت «ديانته».
وحتى لا نربط بالضرورة بين استعمال كلمة الاحترام هذه الأيام وترامب فإن المفردة تسللت أيضا إلى مصر وقرنسا… ففي مصر قال بيان للرئاسة عقب خسارة المنتخب الوطني لكرة القدم أمام نظيره الكاميروني في نهائي كأس إفريقيا «أنه رغم نتيجة المباراة إلا أن المنتخب فاز بتقدير الشعب المصري بأكمله وباحترام كافة متابعي كرة القدم في أنحاء العالم» فيما اختارت بعض الصحف هذا العنوان «خسرنا اللقب وكسبنا الاحترام».. أما في فرنسا، فما زال المرشح الييميني للرئاسة فرانسوا فيون يعاند في فضيحة الوظيفة الوهمية لزوجته رغم اعتذاره للفرنسيين، فها هو يقول عنها رغم كل ذلك إنها «عملت بصمت» و»طريقة عملها تستحق الاحترام».
مع فائق التقدير والاحترام لكل القراء….
٭ كاتب وإعلامي تونسي
** جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط
