البحث عن الجنة المفقودة فى رواية ,, جنة الأرض ,, للكاتب المغربى مصطفى الورياغلى

أحمد الشريف
تدور رواية جنة الأرض الكاتب المغربي مصطفي الورياغلى, والصادرة عن منشورات العبارة/ فى ظل عالم يمور بالعنف والتطرف وكرة الاخر , سواء فى الشرق حيث مايسمى بالحركات والجماعات الاسلامية المتطرفة , أو الغرب , صعود اليمين المتطرف لسدة الحكم وزيادة أعداد العنصريين والنازيين الجدد. فى ظل هكذا أوضاع , هل هناك مغزى أو هدف لأستدعاء تاريخ ليس بالبعيد ومدينة كانت مشهورة بالتسامح وتقبل الأخر؟
يقول الراوى : ف , “طنجة لأ تاسر أرواح زائريها من الكتاب والمغامرين بجمال موقعها وطبيعتها فحسب , بل بتعدد أجناسها وتعايشهم. لغات العالم لغتها, وشوارعها ومقاهيها فضاءات تنصهر فيها الثقافات وتتحاور يوميا
مثل معرض كونى “ص99″
تلك المدينة وذلك الفضاء الرحب المتسامح , نحن فى احتياج اليهما , رغم أن الواقع المعيش فى المدينة انذاك لم يكد يخلو من مشاحنات وتجاذبات وصراعات خفية وسوء فهم, بل أيضا أراء وأفكار مسبقة ومسيئة عن ألأخر.
لعل من خصائص الرواية إنها كتبت بحب وحنين, تجلى هذا فى وصف شوارع المدينة ومعالمها والقاطنين فيها , أيضا فى الصور الروائية والنغمات ومشاهد البهجة والحوارات والمنولوجات الداخلية فى فصول أخرى. حكى وسرد بلغة طازجة متماسكة مضفورة ومحملة بطاقة شاعرية ومشاعر فوارة بالمتناقضات .
’’ .فى صمت التقينا . بلا كلام . بلا نور، كأننا الحياة فى انبلأجها البدائى
من ظلمة رحم ألأرض أو رحم ألأنسان. تستكشف مسام جلدى تفاصيل حرير جسدها البهى فى الظلأم أغوص فى عطر الياسمين الممزوج بعطر الجسد ألأنثوى, وتجوس أصابعى خلأل جدائل شعرها المتموج. يلعق اللسان حبات الدمع الملتحم بالعرق المتلألى فوق منحنيات الجسد. نتنفس, نلهث, نشهق يحملنا مد النشوة الى قمم يتلأشى فيها الوجود , وكلما نزل بنا الجزر عاودنا الصعود,,ص161
وقد تعددت مستويات الحوار حسب الشخصيات وثقافتها ولغتها أيضا فالفصحى سادت فى معظم الفصول, لكن تم كسر هذا فى بعض الصفحات وضفر الحوار بالعامية المغربية والريفية التى ترجمها الراوى بالفصحى ص13 ,
احتشاد الرواية ببشر من جنسيات مختلفة يتكلمون لغات مختلفة , تجعل اختيار الكاتب الفصحى مقبول ومنطقى .
كما ان للسخرية، جوهر اساس فى بناء الرواية, وتجلي هذا فى الحوارات والمشاهد وتعليقات الشخصيات. شخصية السى فلأح, البخيل, بخلة مشهور بين أصدقائة ومعارفة, الجميع يدرك أنها مجرد دعوة فى الهواء , فلأ يؤخذ كلامة على محمل الجد ص9
عندما صدق أحدهم دعوتة وذهب ليخبر زوجتة بالدعوة, كان السى فلأح قد هرب.
سمة الغربة فى الرواية الراوى يشبة ألأجانب
والحقيقة السى أحمد من لأيعرفك لن يقول عنك سوى انجليزى
أو أمريكى. الشعر ألأشقر والقبعة ولباس النصارى. وألأسبانية والفرنساوية وألأنجليزية تتفنن فيها أحسن من ذويها,,ص10-11
يعيش حياتين , فهو بين أبناء جلدتة من المغاربة المسلمين يشعر انة غريب ومع الكونتيسة وو يليام وسائر الجنسيات التى يتعامل معها, يشعر انة مثل ذلك المركب المتهادى وسط البحر ,, لا أنا من هنا ولأ أنا من هناك ص58>
ليس الراوى وحدة بل ويليام أيضا , كان يعيش، حياتين متوازيتين, كذلك فيديريكو و أنابيلأ.
ملمح واضح فى الرواية, ألا وهو الحب الذى لا يتحقق. حب ألسى أحمد أو ,, هامث, ل, اليزابث, كلما رأيتك فى أحلأمى, أو استحضرتك فى بالى, إلا وكان ويليام ثالثنا,, ص164.
كذلك حب الفتى الريفى, عياد, للفتاة ألأسبانية, ماريا, فقد اشتبك شباب الأسبان والمغاربة فى معركة صغيرة بسبب تلك العلاقة
– تعالى! قال, فمكانك ليس مع حثالة الموروس!
ص187 يقول الفتى ألأسبانى لماريا عندما رأها بصحبة
عياد. وبعد أن نشبت المعركة وانتهت , خاطب أحد الشباب المغاربة عياد فى الظلأم قائلأ,, أصاحبى! ليس لك مثيل! تصاحب أسبانية جميلة, وترافقها الى السينما على رؤوس ألأشهاد! هل خلت بذلتك الرومية تشفع لك؟- ص188
الفرق بين الفتى عياد أو هامث | السى أحمد , كبير, كذلك الفرق بين اليزابث وماريا. لكن وفى كلتا الحالتين لم يكتمل أو يتحقق الحب, بل انكسر وكاد ان ينتهى بمصائب فى تلك المدينة, جنة ألأرض؟ فهل كان هاجس الرواى وتحفظة
على حماس بعض أصدقائة صحيحا .
كنت تتحفظ على حماس بعض أصدقائك ألأوربيين عندما يصورون طنجة جنة أرضية, دينها التعدد والتسامح والحرية,, ص196
لقد تنوعت الشخصيات داخل الرواية , كذلك تنوعت المساحة التى شغلتها كل شخصية. هناك شخصيات أخذت مشاهد وصفحات كثيرة, مثل الكونتيسة, وويليام , وشخصيات مثل أنابيلأ وفيديريكو أخذت مساحة أقل. وهنالك شخصيات
أدت أدوارها فى مشاهد وجمل وحوارات قليلة , ثم كانت تظهر وتختفى حسب السياق السردى والتصاعد الدرامى مثل ألسى ميمون, و, ألسى حدو, وغيرهما. لكن جل الشخصيات وظفت بحرفية عالية فى الرواية.
أتوقف عند مشهد فى الرواية_ ضمن مشاهد كثيرة _ هذا المشهد كتب ببراعة واحتشد بالمشاعر ألأنسانية. مشهد الصبى الجائع الذى طلب لة الراوى الطعام, لقد كان جائعا حقا! لمحت دمعة تنزلق على خدة. لم أدر أمن سخونة
ألأكل أم من حرارة الجوع ,,ص17 ومن خلال هذا المشهد يعود بنا الرواى للوراء بتقنية الفلأش باك , لمشهد مماثل كان قد بكى الراوى فية أيضا من الجوع . ص21 ولأينتهى هذا المشهد المركب هنا بل يضفرة الكاتب باقتدار لأستحضار ذكرى ألأب واستشهادة ثم رحيل الراوى الى طنجة. تبين الرواية فى بعد من أبعادها, الصراع بين القوى الكبرى للسيطرة على طنجة: ألأسبان, ألأنجليز, الفرنسيين,
ألأمريكان. وقبل هؤلأء المغاربة الذين كان يسعون لأستعادة مدينتهم. هذا الصراع أدى لتفجر الوضع, فلا يمكن أن, تعيش مدينة وبداخلها كل هذا البؤس وكل هذا البذخ,, ص202 بغتة اجتاحت المدينة موجة من البشر, هادرة
فى غضب، مغاربة, شباب وكهول, يلوحون بقبضاتهم , يتطاير الشرر من عيونهم , وتتحدى حناجرهم عنان السماء, يهتفون بالحرية وألأستقلأل, والمغرب لنا , ويسقط ألأستعمار ,, ص202 تنتهى الروابة عند، الحفيد، حيث يعثر على مذكرات جدة السى أحمد بن المعلم محمد الريفى الذى مات مقتولأ خلال أحداث 1958. تلك النهاية| البداية ربما لها دلألأت أو يمكن قراءتها بتأويل أخر , فالحفيد يمثل مرحلة جديدة وجيل جديد بفكر وثقافة وانفتاح على العالم, وفى تأويل ثان , بداية لحياة جديدة وجزء ثان أو ثالث _ كما أتمنى_ لهذة الرواية الثرية الحافلة بجماليات وأبعاد ودلألأت وشخصيات غنية , تفتحها على مستويات متعددة من القراءة.

قد يعجبك ايضا