غزة دخلت بعنفوانها منظومة الأمم المتحدة
عبدالحميد صيام
حكاية غزة لم تبدأ مساء الأحد الماضي، ولن تنتهي مع نهاية جلسة مجلس الأمن المغلقة يوم الثلاثاء الماضي. والحكاية التي جمعت مجلس الأمن في جلسة طارئة مغلقة، جاءت نتيجة فشل العملية الأمنية العسكرية التي أراد أفيغدور ليبرمان، أن يتوج بها نفسه ملكا جديدا لإسرائيل مكان بنيامين نتنياهو. فالمنافسة بين المتطرفين الصهاينة دائمة تكون على مدى الإيغال في سفك الدم الفلسطيني.
مساء الأحد الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر تسللت مجموعة من المستعربين الصهاينة من لواء غولاني، الأكثر جاهزية وتدريبا وإجراما لتقوم بعملية اغتيال أو خطف أحد قادة المقاومة لترفع من أسهم وزير الحرب ليبرمان على حساب رئيس وزراء كيان الحرب نتنياهو. لكن عين غزة الساهرة أفشلت الخطة، فقد تعودت عيون غزة أن تناطح المخرز الصهيوني منذ عام 1967 حيث بدأت المقاومة المسلحة ضد الاحتلال. قاد العملية ضابط كبير برتبة مقدم وقتل فيها وجرح آخرون وهربوا مذعورين بعد أن استدعوا الغطاء الجوي. غزة دائما تفاجئ العدو والصديق معا، إن بقي لها أصدقاء، فتعطي لهم درسا في الكرامة والصمود والتيقظ والاستعداد وتعطي اسما مغايرا لفلسطين. تخلع يافطة “الحياة مفاوضات” وتنصب مكانها “الحياة وقفة عز وكرامة ومقاومة”. إنها غزة العزة، التي بصمودها تعري المطبعين والمهرولين والمفاوضين والمنسقين أمنيا والباحثين عن استثمار في الاحتلال. فبعد الاعتذار من دمشق ونزار قباني، إنها غزة “التي تعطي العروبة شكلها وبأرضها تتشكل الأحقابُ”.
أريد في هذا المقال أن أنقل صورة عن إنعكاس تلك العملية النوعية التي انتهت إلى فشل مريع، حيث جر العدو ذيول الهزيمة وهرب جنوده مذعورين مخلفين القتلى والجرحى والعربات المدمرة. وانعكست تلك العملية على خلافات كابينة الحرب الإسرائيلية، فقطع نتنياهو جولته وعاد ليوبخ ليبرمان ويطرده أو يجبره على الاستقالة.
في مقر الأمم المتحدة حاولت السفيرة الأمريكية، نيكي هيلي، أن تمنع مناقشة المسألة في مجلس الأمن. إلا أن السفير الصيني، رئيس مجلس الأمن، وبعد لقاء مع السفير الفلسطيني، رياض منصور، وضع غزة على جدول الأعمال رغم أنها لم تكن موجودة في ذلك اليوم فأقحمها تحت بند “مسائل أخرى” بعد مناقشة قضية الكونغو. بقي أن يقوم عضو واحد على الأقل في مجلس الأمن بتقديم طلب رسمي لعقد الجلسة، فتقدم سفيران بالطلب، الكويتي منصور العتيبي، والبوليفي ساشا سيرجيو لورنتي سولز. ولكن السفير الصيني آثر أن يكون الاجتماع مغلقا. وأود أن أقدم مجموعة من الاقتباسات المتعلقة بغزة وصمودها وما قيل يوم الثلاثاء، بعضها منحاز للقاتل وبعضها تحلى بالشجاعة وانتصر للكف التي تناطح المخرز:
الأمين العام للأمم المتحدة- أنطونيو غوتيريش:
يتابع الأمين العام عن كثب التطورات الأمنية الأخيرة في قطاع غزة. ويحث الأمين العام للأمم المتحدة جميع الأطراف على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس. ممثل الأمين العام في فلسطين المحتلة نيكولاي ملادينوف، يتابع المسألة مع السلطات المصرية والجهات المعنية الأخرى لإعادة الهدوء.
منسق عملية السلام- نيكولاي ملادينوف:
الأمم المتحدة تعمل عن كثب مع مصر وجميع الجهات المعنية لضمان أن تتراجع غزة عن حافة الهاوية. التصعيد في الـ 24 ساعة الماضية خطير للغاية ومتهور. يجب أن تتوقف الصواريخ، وأن يبدي الجميع ضبط النفس. يجب ألا يدخر أي جهد لعكس مسار تصاعد العنف.
نائب المتحدث باسم الأمين العام- فرحان حق:
إن ملادينوف على إتصال بكافة الأطراف المعنية لترتيب وقف لإطلاق النار. كما أنه دعا إلى ضبط النفس والعودة عن حافة توسيع الاشتبكات. وأشار إلى بيان الأمين العام الذي أعرب فيه عن القلق للتطورات في قطاع غزة. وحول استهداف فضائية “الأقصى” التي تعتبر مؤسسة مدنية، وما إذا كان من المناسب أن يذكر بيان ملادينوف ذلك، قال حق، إن الموقف المبدئي للأمم المتحدة هو ضرورة تجنب إلحاق الضرر بالمدنيين أو بالمؤسسات المدنية.
سفير فلسطين لدى الأمم المتحدة- رياض منصور:
نريد من مجلس الأمن أن يتحمل مسؤوليته فيما يتعلق بهذه الحالة التي تهدد السلم والأمن الدوليين، ولسوء الحظ يعاني مجلس الأمن من الشلل، ولم يتحمل مسؤوليته. ومع ذلك، سنواصل قرع باب مجلس الأمن لتحمل مسؤوليته. إننا نثمن موقف الأمين العام الذي طالب الأطراف جميعها بضبط النفس ووقف إطلاق النار والعودة إلى التهدئة. ونقاش مجلس الأمن كان يدور حول بيان الأمين العام. أما ما قاله السفير الإسرائيلي حول اتهام حماس بالمسؤولية فأكتفي بالطلب بمراجعة ما كتبته صحيفة “نيويورك تايمز” في تحميل إسرائيل المسؤولية، ففي ذلك المقال رد على كذب الرواية الإسرائيلية وادعاءاتها.آمل أن تفضي جهود إخواننا في مصر إلى إعادة وقف إطلاق النار واستمراره. وقف إطلاق النار هذا هو الذي توصل إليه الشعب الفلسطيني بقيادة الرئيس محمود عباس عام 2014 ليس فقط اتفاقا لوقف إطلاق نار، بل هو أيضا لبدء عملية رفع الحصار.
سفير الكويت لدى الأمم المتحدة- منصور العتيبي:
غزة تحت الحصار لأكثر من 11 سنة، والأوضاع الإنسانية تتدهور باستمرار، وقد بحثنا وضع غزة في مجلس الأمن مرارا وتكرارا دون أن يكون هناك عمل. وقلنا على مجلس الأمن أن يفكر بزيارة لغزة. لم نناقش هذه الفكرة بالتفصيل لكنها أثيرت عدة مرات وقد أثرناها اليوم مرة أخرى ولكن لم نأخذ فيها أي قرار.
سفير بوليفيا لدى الأمم المتحدة– ساشا سيرجيو لورنتس سولز:
نحن نتابع ما يحدث في غزه. ونشعر بقلق بالغ، ليس للحالة العسكرية في المنطقة فحسب، بل أيضا لحاله المدنيين، والهياكل الأساسية، وكذلك بالطبع للحالة الإنسانية. وكما قلت فاننا نتابع المسألة عن كثب. ونحن ننسق مع اشقائنا وإخوتنا الفلسطينيين، ونعتقد انه ينبغي لمجلس الأمن ان يناقش هذه المسألة على الأقل. إن الفلسطينيين انتظروا طويلا لإيجاد حل عادل لمعاناتهم. وقيل إن كوشنر، صهر الرئيس ترامب، لديه خطة للحل وما زلنا ننتظر، لكن الذي نعرفه أن السياسة الأمريكية منسجمة مع السياسة الخارجية الإسرائيلية وأنا أؤمن أن المجتمع الدولي يجب أن يعمل شئيا.
ممثل الكيان الصهيوني لدى الأمم المتحدة- داني دانون:
إن الدعوة للتهدئة الموجهة للطرفين مرفوضة، لأن هناك طرفا واحدا يدافع عن شعبه أما الطرف الآخر فهو مجموعات إرهابية تطلق الصواريخ على المدنيين. ليلة أمس وأنتم نائمون أطلق إرهابيو حماس، أكثر من 400 صاروخ أصابت عدة مبان وبيوت وروضة ومكان تسوق مكتظ بالناس. هذه الصواريخ أدت إلى مقتل فلسطيني بالصدفة و65 جريحا ثلاثة منهم في حالة حرجة. بعض المقذوفات وصلت البحر الميت على بعد 99 كيلومترا. في غضون دقائق سيقفز بعض أعضاء مجلس الأمن المفلسين أخلاقيا لإلقاء اللوم على إسرائيل. فيما سيدعو الآخرون، الذين يدّعون أنهم موضوعيون، إلى كبح جماح الجانبين. عندما تعرف أن هناك من يحفر أنفاقا أو يخطط لهجوم أو لعملية خطف إذن نقوم بعملية حماية حتى لا تتكرر مثل هذه العملية في المستقبل. حركة حماس ما فتئت تطلق الصواريخ على السكان المدنيين. حماس هي التي تهدد الفلسطينيين أنفسهم باستخدامهم دروعا بشرية تختبئ خلفهم وتطلق الصواريخ.
وأخيرا نقول تظل غزة أعلى قامة من اللغة الخشبية والبيانات المكررة والاجتماعات المملة التي لا يصدر عنها حتى بيان صحافي بسبب دولة واحدة تتمتع بحق النقض (الفيتو). غزة تدير ظهرها لمجلس الأمن والمنظومة الدولية و”تزنر خاصرتها بالألغام، لا هو موت ولا انتحار، إنه إعلان غزة عن جدارتها بالحياة أمام عدو مبتهج بأحلامه، مفتون بمغازلة الزمن، إلا في غـزة. من هنا يكرهها العدو حتى القتل. ويخافها حتى الجريمة. ويسعى إلى إغراقها في البحر أو في الصحراء أو في الدم. من هنا يحبها أقاربها وأصدقاؤها على استحياء يصل إلى الغيرة والخوف أحيانا” كما وصفها سيد الكلمة محمود درويش.