فادي السمردلي يكتب: لماذا تخشى بعض المنظومات الصندوق لاختيار القيادات واللجان والدوائر والهيئات؟
بقلم فادي زواد السمردلي. ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
👈 *المقال يصوّر حالة عامة، وأي تشابه عرضي مع أشخاص أو وقائع حقيقية غير مقصود.*👉
الخوف من الصندوق ليس مجرد هاجس عابر لدى بعض المنظومات، بل هو انعكاس عميق لارتباكها أمام الحقيقة المجردة التي يكشفها صوت الناس حين يُترك لهم الحق في الاختيار بلا وصاية ولا هندسة مسبقة فالصندوق، ببساطته الظاهرية، يتحول إلى كابوس لهذه المنظومات لأنه يعرّي زيف الشعارات التي طالما تشدقت بها عن الديمقراطية والشرعية والمشاركة، ثم ينكشف أنها لم تكن سوى واجهة ملساء لإدامة نفوذها وضمان تداول مغلق للسلطة داخل دائرة ضيقة من المصالح فالصندوق يعني خروج القرار من الغرف المظلمة إلى النور، وانتقال الكلمة من يد المتنفذ إلى صوت المواطن البسيط، وهو ما يجعل الكثير من القيادات التقليدية تشعر بتهديد وجودي، إذ تدرك أن استمرارها لم يكن بفضل الكفاءة أو القبول الشعبي وإنما نتيجة للتحكم والولاءات والترتيبات المسبقة لذلك يتوجسون من لحظة تُفتح فيها الصناديق وتخرج منها مفاجآت غير محسوبة، فتُقلب الطاولة على رؤوس من اعتادوا ترتيب الأوراق بما يخدم مواقعهم فالصندوق بالنسبة لهؤلاء ليس أداة ديمقراطية بل فخ محتمل يطيح بمساراتهم المرسومة، ولهذا يسعون إما إلى تحييده أو التحايل عليه أو إفراغه من مضمونه عبر مسرحيات انتخابية محسوبة سلفاً فهم يخشون الصندوق لأنه ببساطة يمنح الشرعية للناس لا للمنظومة، ويعطي القيادة لمن يستحقها لا لمن يحتكرها، ويحوّل الوهم الذي صنعوه حول قوتهم إلى غبار يتبدد أمام أول فرز نزيه للأصوات.
إنّ الخشية من الصندوق في حقيقتها ليست سوى خشية من الشعب نفسه، من وعيه المتراكم، ومن إحساسه العميق بأنه صاحب الحق الأصيل في تقرير من يمثله ومن يدير شؤونه فالصندوق لحظة فاصلة بين خطاب رنان يُسوّق أمام الكاميرات، وبين حقيقة صلبة لا يمكن تزويرها إذا ما حُميت بأعين الناس وإرادتهم ولذلك نجد أن بعض المنظومات لا ترى في الصندوق وسيلة لترتيب البيت الداخلي بقدر ما تراه خطراً يهدد قواعد اللعبة التي بنت عليها استمراريتها فهي تعتقد أن ترك الاختيار الحر سيكشف ضعفها البنيوي، إذ سرعان ما يظهر أن وجودها لم يكن نتيجة جهد أو كفاءة، بل نتيجة غياب المنافسة الحقيقية وتوزيع المنافع على شبكة ضيقة من المؤيدين.
الخوف يتضاعف حين يتعلق الأمر بالقيادات واللجان والهيئات، لأن هذه المواقع لا تقتصر على المنصب بحد ذاته، بل على ما يترتب عليه من امتيازات ومصالح ونفوذ داخل المؤسسات والمجتمع فالصندوق هنا يتحول إلى تهديد مباشر للامتيازات، لأن أي نتيجة غير متوقعة قد تطيح بوجوه رسخت نفسها سنوات طويلة وأدخلت في أذهان الآخرين أن وجودها قدر لا يُرد ولهذا نرى محاولات مكثفة للالتفاف على آليات الانتخاب فتارة عبر صياغة لوائح معقدة تجعل المنافسة شكلية، وتارة عبر الضغط غير المباشر على القواعد الناخبة، وتارة أخرى عبر تعطيل الصندوق نفسه بحجة “المصلحة العليا” أو “الحفاظ على الاستقرار”.
الطريف في الأمر أن هذه المنظومات وهي تمارس كل هذا الهروب من الصندوق، تظل متمسكة برفع شعار الديمقراطية لتضفي على وجودها شرعية زائفة وهي تدرك أن الحديث عن الديمقراطية أو المشاركة أو الانتخابات يكسبها وجهاً مقبولاً أمام الداخل والخارج، لكنها في أعماقها ترفض الاعتراف بالنتائج إذا لم تأتِ على مقاسها وهنا يكمن التناقض الفاضح فهي لا تخشى الصندوق كأداة خشبية أو بلاستيكية، بل تخشى معناه الجوهري، أي ذلك التمرد الصامت الذي قد يعبر عنه الناخب حين يضع ورقته فهذا التمرد الذي لا يُقمع بالقوة ولا يُشترى بالمال، لأنه يحدث في لحظة عزلة بين الإنسان وضميره.
وما يزيد من قلق هذه المنظومات أن الصندوق يحمل دائماً عنصر المفاجأة فحتى مع كل محاولات الضبط والسيطرة، يبقى احتمال أن يخرج الشعب عن السيناريو المكتوب قائماً فلحظة واحدة من صحوة الوعي قد تكفي لإحداث تغيير لا رجعة فيه وهذا ما يجعل الصندوق مرعباً أكثر من أي احتجاج صاخب، لأن الاحتجاج قد يُحتوى بالقمع أو بالإغراء، أما الصندوق إذا ما فُتح على نزاهة فهو الحقيقة العارية التي لا يمكن طمسها.
في النهاية، يمكن القول إن الخوف من الصندوق هو الخوف من الحرية ذاتها، من الكلمة الحرة، من الحق الطبيعي للإنسان في أن يختار من يمثله وهو خوف يفضح هشاشة البُنى التي تقوم عليها كثير من المنظومات التي تزعم الديمقراطية وهي في حقيقتها تخشى أول اختبار عملي لها ولو امتلكت هذه المنظومات قدراً من الشجاعة والثقة في نفسها، لفتحت الصندوق مطمئنة، مدركة أن الشرعية الحقيقية لا تُصنع بالتحكم وإنما تُمنح من الناس ولكن طالما ظل الخوف سيد الموقف، سيبقى الصندوق بالنسبة لها فزاعة تهدد استقرارها المصطنع، فيما سيظل بالنسبة للناخبين أملاً مؤجلاً، ورمزاً للحظة طال انتظارها، لحظة استرداد الصوت والقرار.
الكاتب من الأردن