مخيم جنين للاجئين: نحن جيل تربى على الاعتقالات وهدفنا طرد المحتل من أرضنا

الحركة داخل أزقة مخيم جنين للاجئين في مدينة جنين كانت خفيفة ظهيرة الأربعاء الماضي. شباب عاطلون عن العمل يجلسون في عدة أماكن، كانوا يفحصون كل من يدخل المخيم، بدقة. سيارة تحمل لوحات إسرائيلية كانت منظراً بارزاً للعيان. لا يوجد للغرباء ما يبحثون عنه هنا. الوضع مختلف على بعد مئات الأمتار من هناك، في جنين نفسها. على الرغم من الطقس البارد جداً، وعلى الرغم من أن الوقت هو منتصف الأسبوع، إلا أن المدينة مليئة بالسيارات الإسرائيلية التي تتجول في الأسواق وبين المحلات والكراجات. في نهاية الأسبوع، يدخل إلى جنين ويخرج منها آلاف المواطنين العرب الذين يحظون بالترحاب.

“إذا أخرجنا العرب من مواطني إسرائيل، فستصبح المدينة كالمخيم”، قال أبو أحمد، وهو من رجال التنظيم ومقرب من الأجهزة الأمنية الفلسطينية. “لذلك، لن يتجرأ أحد على المس بالأمن الشخصي داخل المدينة، وثمة وجود بارز لقوات الشرطة”. أبو أحمد يعرف الجميع في جنين، خصوصاً في مخيم اللاجئين، وهاتفه لا يتوقف عن الرنين. “قل له أن ينتظر في الميدان قرب النصب التذكاري. أنا قادم”، يقول لأحد محدثيه. ويرد على آخر: “نعم، كنا لدى المحافظ وسننهي الموضوع”. “هذه المحادثات”، يشرح، “هي الطريقة الأكثر فعالية لتسوية النزاعات في المنطقة. “من يعتقد أن التصرف هنا هو حسب منطق إسرائيل ومنطق الحواجز والاقتحام والاعتقال، فهو مخطئ”.

الميادين في مخيم اللاجئين هي بالفعل نصب تذكارية مع صور سجناء أو قتلى من أبناء المخيم، وهي مزينة بالأعلام الفلسطينية. تظهر على عدد من اللافتات وجهوه معروفة مثل زكريا الزبيدي أو محمود العارضة، الذي قاد هرب السجناء الستة من سجن جلبوع، وجميعهم من سكان المنطقة. أحد النصب التذكارية بارز، ما زال الرخام يلمع، وما زالت النباتات المزروعة عليه طرية. أقيم هذا النصب لتخليد ذكرى أربعة فلسطينيين قتلوا في تبادل لإطلاق النار مع قوة لحرس الحدود في آب الماضي.

قرب النصب التذكاري، على مدخل محل تجاري، كان يجلس أربعة شباب، أحدهم من رجال الأجهزة وثلاثة من أعضاء التنظيم (حركة فتح). موضوع الحديث بينهم هو الجهود التي تقوم بها السلطة الفلسطينية لفرض النظام في المخيم وإعادة السيطرة لنفسها فيه. “أنت لا تكتب أسماء. صحيح؟”، يحاول أحدهم التأكد. عندها قال: “نجري مفاوضات حول من سيسلم نفسه وسلاحه للسلطة. هذا أمر معقد جداً، لأن المشكلة ليست السلاح، بل كيفية استخدامه. باختصار، لا أحد، حتى المحافظ، يتجرأ على طلب تسليم سلاح هدفه النضال ضد إسرائيل. هذا سلاح مقدس”، وأضاف: “أي دخول لإسرائيل إلى المخيم سيواجه بالمقاومة. تسمي إسرائيل هذا إرهاباً، ونسميه نحن نضالاً ضد الاحتلال”.

في مخيم اللاجئين وفي كل المنطقة، تظهر أجواء مقاومة منذ عملية “حارس الأسوار” في أيار الماضي، التي تعززت في أيلول في أعقاب هرب السجناء الستة. منذ ذلك الحين، يظهر سكان المخيم جرأة واستعداداً أكبر للنضال. ووفقاً لذلك، تظهر فيه قطع سلاح كثيرة.

“لا يوجد قربنا مستوطنات أو قواعد عسكرية، وليس لدينا أيضاً مصلحة بالمس بالتجارة في المدينة”، قال أحد الشباب. “لذلك، هدفنا هو الجيش. فأي دخول يعني النضال بكل الوسائل، وهذا ما يحدث”. وهو مطلوب منه الآن تسليم بندقية أم16، التي يشتبه بأنه أطلق النار منها نحو المقاطعة في المدينة بسبب عدم رضاه من طريقة معالجة نزاع محلي.

حسب أقوال شاب آخر: “المشكلة هي أن السلاح الذي هدفه مقاومة الاحتلال تحول في عدد من الحالات إلى أداة لحل نزاعات جنائية أو لمجرد إطلاق النار عند إطلاق سراح سجين، وفي الأعراس أيضاً يتم إطلاق النار بشكل كثيف. وقال بأن السلطة فضلت في الآونة الأخيرة ضبط النفس إزاء هذه الظاهرة التي تزعج سكان المخيم أيضاً. المقاربة تغيرت في أعقاب سلسلة أحداث في الأشهر الأخيرة، مثل مؤتمر صحافي عقده مسلحون ينتمون للجهاد الإسلامي أثناء التفتيش عن السجناء، وأعلنوا فيه بأنهم سيوفرون لهم الملجأ؛ وظهور مسلحين بزي الذراع العسكري لحماس في جنازة الوزير السابق في الحركة وصفي كبها، وإطلاق النار على المقاطعة.

كانت الخطوة الأولى للسلطة استبدال رؤساء الأجهزة الأمنية في المنطقة. المرحلة القادمة هي عملية اعتقالات واسعة تم وقفها بعد أن فهمت رام الله بأن هذا لن يساعد في فرض النظام في المنطقة. أحد الاعتقالات التي تمت تغطيتها دولياً والتي رافقها إطلاق النار، طال سامي الرخ، الذي لم يكن من أعضاء حماس أو الجهاد، بل هو ابن هشام الرخ، قائد في الأمن الوقائي. قتل الأب في العام 2012 على خلفية جنائية. ومنذ ذلك الحين، يتحدث أبناء عائلته عن الانتقام. “هنا قصة معقدة”، شرح أحد المقربين. “والد سامي الذي كان شخصية معروفة في المخيم وفرض النظام، قتل. ومن قتله لم يأخذ حكمه، والابن رد بغضب. الآن هو مطلوب، ونحاول التوصل إلى اتفاق بشأنه.

غير بعيد من هناك، في بيت على قمة تلة تطل على المخيم، جلس عدد من الشباب المطلوبين. مكالمة هاتفية من أبو أحمد أدت إلى دعوتنا لشرب فنجان شاي. كان هناك يحيى الزبيدي أيضاً، شقيق زكريا، وهو أيضاً من رجال التنظيم. قال الزبيدي الذي له علاقات متشعبة في جنين ورام الله، إنه تنقل عدة مرات، الأسبوع الماضي، بين المدينتين في محاولة لتهدئة الوضع.

“يعرف الجميع وجود كمية كبيرة من السلاح هنا”، قال الزبيدي. “لن يمسه هذا السلاح أحد طالما هو موجه نحو الاحتلال. ولن يُقدم أحد للمحاكمة بسبب إطلاق النار على قوات الجيش الإسرائيلي. إذا اعتقدت إسرائيل بأن هذا ما سيحدث، فلينسوا ذلك. القصة هنا مختلفة. والخوف أن يتحول هذا السلاح إلى علامة على فقدان السيطرة، والجميع يريدون التسوية ومنع الفوضى. لذلك، نجري حواراً مع رؤساء الفصائل في المخيم وخارجه لتهدئة الوضع، ونحن جديون في ذلك”.

“وضعنا غير محتمل”، قال الزبيدي. “من جهة، السلطة تريد الهدوء. ومن جهة أخرى، إسرائيل تعتقد أنها تستطيع الدخول متى تشاء وكيفما تريد لتنفيذ عمليات اعتقال دون أي إزعاج. أي عملية اعتقال كهذه إنما تزيد الغضب وخيبة الأمل، وتصعب على الجميع. نعرف أن إسرائيل لا تريد الهدوء، ودائماً سيكون هناك من يحاول إشعال النار والنزاعات”.

الموجودون في الغرفة ترعرعوا في ظل الانتفاضة الثانية. “نحن جيل تربى على الاعتقالات وهدم البيوت والاقتحامات”، قال محمد (اسم مستعار) وهو يصب القهوة والشاي. “هذا جيل يرى حلمه يسحق بقدم فظة، ويؤمن بأن له حقاً شرعياً في النضال، دون علاقة إلى أي فصيل ينتمي. أنا مطلوب ولكني لا اعتبر نفسي إرهابياً. ومشكلتي ليست مع السلطة. قل للإسرائيليين بأننا لن نحول سلاحنا إلى أداة استفزازية في حرب داخلية”. وكالآخرين الذين أجريت معهم مقابلات، أوضح: “بالنسبة لنا، إسرائيل كيان محتل، وأي دخول لقوات إسرائيلية إلى المخيم ستواجه بالمقاومة”.

عند انتهاء المحادثات مع المطلوبين، عادوا لمناقشة التوقيت والشروط التي سيسلمون فيها أنفسهم.. “هناك أشخاص طلب منهم تسليم السلاح الذي استخدم في إطلاق النار على المقاطعة أو في أحداث جنائية”، قال أبو أحمد. “سيجرى تحقيق مع هؤلاء، وسيتوصلون معهم إلى اتفاق. قد يكون على بعضهم أن يبقى في المعتقل. أحد المواضيع التي يناقشونها هو إلى أي معتقل سيُرسلون. إذا قالوا أريحا فسيخلق هذا رد فعل سلبي. فهذا مكان سيئ ولا أحد يريده”.

في طريق خروجنا من المخيم، قال أبو أحمد: “في نهاية المطاف، علينا ألا ننسى بأننا أبناء المكان نفسه، أبناء المخيم نفسه، والقضية الأساسية نفسها-محاربة الاحتلال”.

بقلمجاكي خوري

هآرتس 5/12/2021

قد يعجبك ايضا