مشروع قانون إسرائيلي حول مكافحة انتشار السلاح يثير جدلا في أراضي 48
وهج 24 : صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) على مشروع قانون لتشديد عقوبة السجن الفعلي على من يحمل ويتاجر بالسلاح وذلك ضمن خطة حكومية معلنة لمكافحة انتشار السلاح داخل أراضي 48 وسط تحذير جهات حقوقية من أن هذه محاولة لتجريم المجتمع العربي الفلسطيني ودعوة لاعتماد مبادرات وقائية أكثر عمقا ومنفعة.
وصوت الكنيست أمس، بأغلبية أربعة من أعضاء الكنيست ودون معارضة أو الامتناع على قانون العقوبات (تعديل رقم 140 – أمر مؤقت) القاضي بضرورة فرض الحد الأدنى من الحكم بالسجن الفعلي على كل من يحمل أو يتاجر بالسلاح. وأوضح مركز “عدالة” أنه بموجب تعديل القانون فإن المحكمة ملزمة بفرض عقوبة دنيا على المدانين بمخالفات السلاح المنصوص عليها في المادة 144، لا تقل عن ربع العقوبة المنصوص عليها في القانون. وبالتالي، فإن العقوبة الدنيا على جريمة شراء أو حيازة سلاح في حالة عدم وجود أسباب خاصة ستكون سنة واحدة وتسعة أشهر؛ وعلى جريمة حمل السلاح أو نقله سنتين ونصف؛ وستكون العقوبة الدنيا على ارتكاب جريمة تصنيع السلاح أو استيراده أو الاتجار به ثلاث سنوات وتسعة أشهر. بالإضافة إلى ذلك، سيتم تنفيذ هذه العقوبة، على الأقل جزئيا، في إطار السجن الفعلي، بينما يتطلب الأمر تسجيل المسوغات الخاصة لأي خروج عن إطار هذا الحكم.
ويحذر مركز “عدالة” من التبعات الخطيرة للتعديل المذكور على المجتمع العربي الفلسطيني. ويقول إن الانتهاك اللاحق بالأمن الشخصي للمواطنين العرب، والزيادة المقلقة في عدد حوادث إطلاق النار، يعودان بشكل أساسي إلى التمييز العميق والمنهجي وعدم إنفاذ القانون في البلدات العربية، حيث تم الإهمال والتغاضي لعشرات السنين عن المسؤوليات المنوطة بالشرطة وصلاحياتها المعروفة مسبقا.
وقال أيضا إن تشديد العقوبة من خلال تحديد الحد الأدنى للعقوبة هو إجراء غير متناسب والذي ينتهك الحق في إجراء قضائي نزيه والحق في الحرية ولا يحقق الهدف المزعوم. وردا على التساؤل: “إذن ما المشكلة في الحكم بالسجن؟” ينوه “عدالة” إلى أن الدراسات العديدة تشير إلى أن السجن ليس الحل السحري لمحاربة الجريمة ويتابع “بل العكس فالسجون بيئة مواتية للجريمة والتفكير الإجرامي، كما أنها تزيد من مستوى الفقر وتفاقِم الفجوات الاجتماعية والاقتصادية. في الوقت الراهن فإن 47٪ من السجناء الجنائيين في السجون الإسرائيلية هم من العرب، أي ضعف نسبة العرب الفلسطينيين العددية بين السكان. عندما يخرج هؤلاء السجناء من السجن، فإنهم يعودون إلى مجتمع يعيش نصفه تقريبا تحت خط الفقر ويعاني من الحرمان والتمييز المتراكمين على مدار السنين، بالإضافة الى تفشي الجريمة”.
ويحذر أنه نتيجة لذلك فإن فرص هؤلاء الجنائيين السابقين في التأهيل وبالنجاح والتطور خارج دائرة الجنح – والتي كانت محدودة أصلا حينما صدرت الأحكام بحقهم، تصبح هذه الفرص معدومة تقريبا بعد إطلاق سراحهم من السجن. ويقول مركز “عدالة” إن مجموعات الجريمة بالنسبة لهؤلاء الأشخاص هي الحل السريع، وأحيانا يكون الحل الوحيد المتاح لهم في غياب آليات إعادة التأهيل والمرافقة المناسبة وبالتالي، تُظهِر المعطيات أن ما يقارب 80٪ من السجناء المفرج عنهم يعودون إلى دائرة الجريمة في غضون ثلاث سنوات من موعد إطلاق سراحهم.
تمييز عنصري في قرارات القضاء الإسرائيلي
ويرى “عدالة” أنه نتيجة لذلك سيؤدي مشروع القانون الإسرائيلي الجديد إلى زيادة عدد السجناء العرب في السجون، ولا سيما الذين يقضون عقوبات قصيرة ويتابع “وفقا للمعطيات الراهنة الصادرة عن مصلحة السجون، فإن 41٪ من السجناء الجنائيين العرب يقضون فترات سجن قصيرة تصل لغاية عامين – مقابل 33٪ من السجناء اليهود. يرجع هذا الاختلاف بشكل أساسي إلى الاختلاف في التوجه بشأن سياسة العقوبات، إذ يجري زج المزيد من العرب في السجن لفترات قصيرة، بينما يتلقى المزيد من اليهود بدائل تأهيلية خارج جدران السجن. إن انتهاج عقوبة حد أدنى، سيؤدي إلى زيادة نسبة السجناء الجنائيين الذين يقضون فترات سجن قصيرة تفوق نسبة العرب السكانية”.
تعامل استعماري عدائي
ويشير أنه رغم الظاهرة المقلقة، فلا يوجد لدى وزارة الأمن الداخلي أو الشرطة الإسرائيلية أية تقديرات لكميات الأسلحة غير المرخصة لدى المجتمع العربي الفلسطيني في إسرائيل إلا أنه، ووفقا لتقارير مختلفة، هناك عشرات بل حتى مئات الآلاف من قطع السلاح. ويقول أيضا إن التقاعس الإسرائيلي عن منع الجريمة المنظمة والذي يعاني منه المجتمع العربي الفلسطيني ما هو إلا دلالة واحدة من أوجه التعامل الاستعماري والعدائي الذي تجذر داخل المنظومة الإسرائيلية الحاكمة، فيما أن الحلول التي يقترحها المُشرعون ليست جادة، بل تقود في مثل هذه الحالة إلى نتائج عكسية تماما”.
معاقبة العرب بشكل نمطي وجماعي
ويرى “عدالة” أن الاحتمال هو أن يؤدي مشروع القانون المذكور إلى نتيجة سلبية، وهو يشكل منحدرا زَلِقا إلى تجريم كامل للمجتمع العربي ويقول إن اقتراح القانون يملي على المحاكم معاقبة العرب بشكل نمطي وجماعي، دون اعتبارات قضائية جديرة، مع فرض أحكام بالسجن الفعلي على العرب الذين يرتكبون مخالفات تتعلق بالسلاح – وهذا بغض النظر عن الظروف الفردية لكل متهم.
كذلك ينبه إلى أن هناك ركيزة إضافية للمس بالاعتبارات القضائية تعود الى المراحل الأولية التمهيدية للإجراء: وفقا للتعديل، وعندما يعرف ممثلو النيابة العامة مسبقا وعلى وجه اليقين أن الملف ينطوي على الحكم بالسجن الفعلي، سيكون وزن أكبر لاعتبارات النيابة لتكييف مواد القانون مع العقوبة التي يرغبون في أن تقرها المحكمة، وبالتالي تعميق الفجوة في علاقات القوة بين الادعاء والمتهم. ويخلص “عدالة” للقول إنه من شأن هذه القوة المضافة للنيابة أن تنتهك الحق في محاكمة نزيهة وقد تؤدي إلى اعترافات وإدانات كاذبة وبذلك، يزيد اقتراح القانون من التمييز ويعمق الفجوة القائمة أصلا بين العرب واليهود.
لماذا تنخفض جرائم القتل في الضفة الغربية .. وترتفع في أراضي 48؟
وتواصل الغضب الشعبي أراضي 48 في ظل استشراء آفة العنف واستمرار جرائم القتل التي بلغت منذ بدء العام نحو 110 جريمة قتل تمت بمعظمها بواسطة جرائم إطلاق الرصاص وعلى يد عصابات إجرامية تصرف السلطات الإسرائيلية النظر عنها منذ نحو العقدين وفقا لاتهامات فلسطينيي الداخل للسلطات الإسرائيلية بأنها تسعى لتدمير مجتمعهم من الداخل على مبدأ “فخار يكسر بعضه”. وفيما يبلغ عدد الفلسطينيين في إسرائيل نحو 1.5 مليون نسمة وترتفع نسب جرائم القتل لديهم في ارتفاع كبير في العقدين الأخيرين فإن عددهم في الضفة الغربية 2 مليون نسمة ونيف ولديهم جرائم القتال في تراجع كبير.
فخار يكسر بعضه
وردا على سؤال “القدس العربي” يوضح مدير مركز “أمان“ المحامي رضا جابر أنه يؤيد مثل هذا القانون مبدئيا مشددا على الحاجة لربطه بمشروع تأهيل حقيقي كي لا يخرج المتورطون بجرائم سلاح أكثر جرما وخطرا من سجونهم. كما يدعو رضا جابر لحيوية الاهتمام بالناحية الوقائية التي ينبغي أن يشارك المجتمع الفلسطيني نفسه بها عملا باحترام مسؤولياته بدلا من إلقائه كل مشاكله على حبل الآخرين.
كما أن المحامي جابر يرى أن جرائم القتل في أراضي 48 ترتفع في السنوات الأخيرة بشكل مقلق لافتا إلى عدة عوامل منها ذاتية ومنها ما يتعلق بأجهزة الحفاظ على القانون الإسرائيلية. ويتفق جابر مع توصيف بعض القادة السياسيين من فلسطينيي الداخل بأن إسرائيل تغض النظر عن العنف والجريمة والتجارة بالسلاح في الشارع العربي منذ هبة القدس والأقصى والانتفاضة الثانية بعدما تنبهت للدور الخطير لفلسطينيي الداخل. موضحا أن السلطات الإسرائيلية لا تقوم بواجباتها القانونية من هذه الناحية من منطلق احتلال القلعة من داخلها على مبدأ “فخار يكسر بعضه” كما يؤكد القادة السياسيون.
نحن في حرب
وقال إن فلسطينيي الداخل قد تأخروا في خوض هذه المواجهة ودفعوا ثمنها بمئات القتلى وآلاف الضحايا وأضاف “عندما نريد أن نواجه العنف لا يمكن إلا أن نشتبك مع الأسباب ومع حاضنة الإجرام الاجتماعية والسياسية. أن نواجه العنيف والمجرم بفرض واقع اجتماعي آخر مناهض له. ونحن لا نفعل ذلك بل نحاول الالتفاف والذهاب إلى حلقات أوسع تبعدنا عن الاشتباك لأنها المساحة المريحة لنا. يبعدنا عن أن نضع اليد على الجرح. لذلك مشروعنا حتى الآن معظمه أقوال لا أفعال”.
المصدر : القدس العربي