لقاء عباس- غانتس في “راس العين”.. وجبة أوكسجين للسلطة الفلسطينية واستمالة للإدارة الأمريكية
الشرق الأوسط نيوز : بخلاف تصريحات نُسبت لوزير فلسطيني، بأن اللقاء بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الأمن في حكومة الاحتلال بيني غانتس ليلة الثلاثاء تناول القضية الفلسطينية وإمكانيات تحريك المفاوضات والوصول لأفق سياسي، قالت جهات إسرائيلية إن اللقاء اقتصر على الشؤون الأمنية والاقتصادية فقط.
وزار الرئيس الفلسطيني وزير الأمن الإسرائيلي في بيته في بلدة “روش هعاين”(راس العين) بمشاركة مدير المخابرات ماجد فرج، ووزير الشؤون المدنية حسين الشيخ و”منسق شؤون الحكومة في المناطق” الجنرال في جيش الاحتلال غسان عليان، ويبدو أن اختيار بيت غانتس للاجتماع وليس رام الله، يأتي لاعتبارات أمنية أو رغبة بإبداء حميمية في اللقاء الذي كان يفترض أن يتم قبل أسبوع وتم إرجاؤه بسبب قتل مستوطن من مستوطنة حومش.
عبّر الرئيس عباس خلال اللقاء بغانتس عن إحباطه من جمود المفاوضات السياسية طالبا إجراء مفاوضات، لا أحاديث عن الصراع
وحسب مصادر إسرائيلية عبّر الرئيس عباس خلال اللقاء بغانتس عن إحباطه من جمود المفاوضات السياسية طالبا إجراء مفاوضات، لا أحاديث عن الصراع. وكشفت إذاعة جيش الاحتلال عن مذكرة أمنية تم رفعها للمستوى السياسي الإسرائيلي حذرّت فيها من حالة الإحباط الملازمة للسلطة الفلسطينية جراء عدم وجود أفق سياسي ومن تنصل بينيت من فكرة المفاوضات، ونوّهت الإذاعة إلى أن المذكرة المذكورة تحذّر من تدهور أوضاع السلطة.
ومع ذلك قالت القناة 12 الإسرائيلية إن الاجتماع عقد في أجواء “ودية وحميمة وتبادل خلالها الجانبان الهدايا ومنها قنينة زيت زيتون أهداها عباس لغانتس”. وحسب الإذاعة العبرية العامة، قال عباس خلال اللقاء، إنه لن يسمح “بالعنف والإرهاب واستخدام السلاح الناري ضد إسرائيليين، أي المستوطنين، طالما أنه في الحكم، ومن دون الارتباط بطبيعة العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين.” كما قالت الإذاعة العبرية إن عباس قد أوضح أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية ستستمر بالعمل في هذا السياق.
بدوره، شكر غانتس عباس على تخليص أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لإسرائيليين من رام الله، بداية الشهر الحالي، وادعى أن فلسطينيين سعوا لمهاجمتهما. كما نقلت الإذاعة العبرية العامة عن مصدر فلسطيني قوله إن الرئيس عباس قد أوضح أيضا أنه ينبغي بذل أقصى الجهود من أجل خفض الاحتكاك بين المستوطنين والفلسطينيين في الضفة الغربية. وتصاعدت في الأشهر الأخيرة الاعتداءات الإرهابية من جانب المستوطنين ضد الفلسطينيين وأملاكهم بشكل كبير.
الرئيس عباس أوضح أنه ينبغي بذل أقصى الجهود من أجل خفض الاحتكاك بين المستوطنين والفلسطينيين في الضفة الغربية
تسهيلات إسرائيلية
من جهته، قال غانتس معقبا على طلب أبو مازن، إنه يفعل ما يستطيع داخل الحكومة، وإن سلطات الاحتلال ستصادق على زيادة عدد تصاريح الدخول لإسرائيل والتي ستُمنح لرجال أعمال ومسؤولين فلسطينيين، علاوة على قرض بقيمة 100 مليون شيكل (نحو33 مليون دولار) لتوسيع مخططات البناء في مناطق الضفة الغربية. ودام اللقاء ساعتين ونصف الساعة، وفي جزء منها اقتصر على عباس وغانتس فقط. وأوضح مكتب غانتس أنه تم إطلاع رئيس الحكومة بهذا اللقاء، وهو الثالث بينهما منذ تشكيل “حكومة التغيير” في إسرائيل قبل نصف عام. ونوّه مكتب غانتس أن الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني قد تباحثا في قضايا أمنية ومدنية. وجاء في بيان غانتس أنه أطلع الرئيس أبو مازن على نيته مواصلة رعاية “خطوات تعزيز الثقة” في المجال الاقتصادي والمدني كما تم في لقائهما السابق في رام الله.
التنسيق الأمني
وحسب هذا البيان، شدّد غانتس على المصلحة المشتركة في تعزيز التنسيق الأمني والمحافظة على الاستقرار الأمني، ومنع “الإرهاب والعنف”، وهذه إشارة للمساعي الإسرائيلية المستمرة للحيلولة دون تمدد وازدياد قوة حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة.
شدّد غانتس على المصلحة المشتركة في تعزيز التنسيق الأمني والمحافظة على الاستقرار الأمني، ومنع “الإرهاب والعنف”، وهذه إشارة للمساعي الإسرائيلية المستمرة للحيلولة دون تمدد وازدياد قوة حركة حماس في الضفة الغربية المحتلة
يشار إلى أن هذه الزيارة الرسمية الأولى التي يقوم فيها الرئيس محمود عباس لإسرائيل منذ أن عام 2009 علاوة على مشاركته في تشييع جثمان رئيس دولة الاحتلال شيمون بيريز عام 2015 وقبل ذلك قام بزيارة سرية برفقة النائب أحمد الطيبي لزيارة مسقط رأسه مدينة صفد عام 1994.
بدون صورة
وانتهى اللقاء بين غانتس وعباس قبيل منتصف ليلة الثلاثاء، حيث عاد الأخير من رأس العين إلى رام الله بقافلة سيارات تحت الحراسة. وكما في اللقاء السابق اتفق الرجلان على عدم نشر صورة مشتركة لاجتماعهما، ويبدو أن ذلك مرتبط بحساسية مثل هذه الزيارة في الجانب الإسرائيلي والفلسطيني أيضا.
تأتي هذه اللقاءات في خضم اعتداءات دموية للمستوطنين على المدنيين الفلسطينيين وفي ظل استمرار التهويد والاستيطان ومحاصرة قطاع غزة وانسداد الأفق السياسي مما يجعل الزيارة محط استهجان وانتقاد
تأتي هذه اللقاءات في خضم اعتداءات دموية للمستوطنين على المدنيين الفلسطينيين وفي ظل استمرار التهويد والاستيطان ومحاصرة قطاع غزة وانسداد الأفق السياسي مما يجعل الزيارة محط استهجان وانتقاد. كذلك تأتي مثل هذه اللقاءات للتداول في شؤون مدنية، في الوقت الذي يعلن رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت أنه يعارض مجرد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية ومعه بعض الوزراء رؤساء الأحزاب اليمينية في حكومته، التي تتعرض أيضا لانتقادات ومزاودات من جهة المعارضة برئاسة بنيامين نتنياهو الذي عطّل منذ عودته للحكم في 2009 المفاوضات السياسية مع الجانب الفلسطيني مشترطا اعتراف الأخير بإسرائيل كدولة يهودية. وسبق أن سارع رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت (مدير عام سابق لمجلس الاستيطان) بعد اللقاء السابق بين غانتس وعباس في رام الله، للتشديد على أن اللقاء بحث قضايا مدنية فقط وذلك في محاولة منه للمحافظة على مكانته السياسية لدى جمهور ناخبيه من أوساط اليمين والمستوطنين، خاصة أن حزبه “يامينا” صغير وتتنبأ له استطلاعات كثيرة الاندثار جراء عدم تجاوز نسبة الحسم في انتخابات مستقبلية.
تتم مثل هذه اللقاءات للتداول في شؤون مدنية في الوقت الذي يعلن فيه رئيس حكومة الاحتلال نفتالي بينيت أنه يعارض مجرد المفاوضات مع السلطة الفلسطينية
البحث عن أفق سياسي مفقود
وحسب مصادر إسرائيلية، فقد علم نفتالي بينيت باللقاء بين غانتس وعباس مسبقا، والذي تولى ترجمة الحديث بينهما الجنرال غسان عليان المسؤول عن إخراج التسهيلات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية لحيز التنفيذ. ونقل موقع “واي نت” العبري عن عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، ورئيس الهيئة العامة للشؤون المدنية الفلسطينية حسين الشيخ قوله، إن اللقاء تداول أيضا أهمية خلق أفق سياسي يقود لتسوية سياسية طبقا للقرارات الأممية. كما قال الشيخ إن الطرفين تحدثا بعد ذلك بالوضع المتوتر داخل الضفة الغربية بسبب “نشاطات المستوطنين” منوها لتداول الاجتماع مسائل أمنية واقتصادية وإنسانية كثيرة.
أهداف معلنة وأهداف غير معلنة
كما في لقاءات مماثلة في الماضي، فإن هذا اللقاء في “راس العين” جاء لتحقيق أهداف غير معلنة منها حالة الجفاف السياسي والمالي التي تعصف بالسلطة الفلسطينية، ومحاولة منحها وجبة أوكسجين جديدة في ظل مخاوف إسرائيلية متصاعدة من تزايد قوة حماس داخل الضفة الغربية المحتلة، وتزايد عمليات المقاومة في الشهر الأخير، إضافة لرغبتها في تكريس التنسيق الأمني وتعزيزه. ويبدو أن هذه محاولة إسرائيلية لتمرير رسالة إيجابية للولايات المتحدة التي تطالب بوقف الاستيطان، وسبق أن أعلنت إدارتها قبيل وبعد الانتخابات بأنها ستدفع نحو إحياء تسوية حل الدولتين، لكن حكومة بينيت لا تختلف من هذه الناحية عن حكومات نتنياهو وهذا أحد أسباب عدم رد البيت الأبيض على محاولات بينيت للاتصال الهاتفي بجو بايدن منذ ثلاثة أسابيع.
يذكر أن لقاء عباس غانتس الرسمي تم للمرة الثالثة في أعقاب عقد اجتماع فلسطيني- أردني- مصري، شارك فيه حسين الشيخ، مع وزيري الخارجية المصري سامح شكري، والأردني أيمن الصفدي، وبحث “جهود الإدارة الأمريكية الهادفة إلى إنجاح بناء الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين والالتزام بالإتفاقيات الموقعة”. وتم الاجتماع الثلاثي بمشاركة رئيس المخابرات العامة للسلطة الفلسطينية، ماجد فرج ورئيسَي مخابرات مصر والأردن، عباس كامل وأحمد حسني. وجاء في بيان مشترك صدر عن مصر والأردن والسلطة الفلسطينية أنه جرى خلال الاجتماع “دراسة عدد من المقترحات المستهدفة كسر الجمود الذي تشهده عملية السلام في الوقت الراهن”.
وزير الصحة يبارك
من جهته، بارك نيتسان هوروفيتش، وزير الصحة رئيس حزب “ميرتس” المشارك في الائتلاف الحاكم هذا اللقاء، وقال في تغريدة له إن مساعي تعزيز العلاقات والحل السياسي تخدم مصلحة عليا للشعبين. من جهته، قال زميله في الحزب نائب وزير الاقتصاد يائير غولان، جار غانتس في “راس العين” إنه لم يدع للمشاركة في اللقاء وأنه علم به من الصحافة لكنه يباركه. وتابع غولان، جنرال في الاحتياط، في تصريح لإذاعة جيش الاحتلال”: “بصرف النظر،هذا اللقاء مهم وأفضل من القتال فهو يخدم الاستقرار والأمن، نريد أكبر عدد ممكن من العمال الفلسطينيين من غزة والضفة لأنه لا يوجد ما يخدم الاستقرار الأمني أكثر من الرفاه الاقتصادي. قادة الجيش ومسؤولون إسرائيليون يلتقون دائما بنظرائهم الفلسطينيين للتنسيق في مواضيع مشتركة كالماء والكهرباء وغيره”. وردا على سؤال، قال إنه يؤيد إخلاء مستوطنة حومش، وتابع: “أعبّر عن هذا الموقف داخل الحكومة، وبالنسبة لي فالمستوطنات العشوائية عمل غير صهيوني وغير مسؤول ويؤدي لضم ملايين الفلسطينيين لداخل إسرائيل. نعم إخلاء مستوطنة حومش مطروح على جدول أعمال الحكومة”.
هجوم المعارضة
كما كان متوقعا، تنصل رئيس حكومة الاحتلال من الاجتماع واستنكره، فيما حمل حزب “الليكود” على اجتماع غانتس عباس، وقال في بيانه إن “الحكومة الإسرائيلية- الفلسطينية” تقدم تنازلات خطيرة للسلطة الفلسطينية وتعيد أبو مازن للواجهة”. كما حملت بقية أحزاب المعارضة على اللقاء، وقال حزب “الصهيونية الدينية” إنه بعدما نجح اليمين طيلة عشر سنوات بتحويل “أبو مازن” لشخصية غير ذات صلة وغير مرحب بها في العالم، وإنزال فكرة تقاسم البلاد عن الأجندة، تقوم حكومة بينيت اليسارية بالعودة إلى أوسلو وللمفاوضات. وتابع: “يعيدون الرئيس عباس لمركز الواجهة. حكومة بينيت سيئة لليهود”. وقال وزير البناء والإسكان الإسرائيلي، زئيف إلكين للإذاعة العامة إنه لا يولي أهمية كبيرة للقاء عباس وغانتس، مضيفا أنه “ما كان يدعو إلى بيته أحدا ما يدفع رواتب لقتلة إسرائيليين منوها لعدم وجود خطة سياسية مطروحة، ويعرف الأمريكيون ذلك”.
اللقاء المفقود
من جهته، أكد رئيس المشتركة النائب أيمن عودة في تغريدة على أن اللقاء الذي ينبغي التحدث عنه هو الاجتماع الذي لم يتم بين رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وبين رئيس الحكومة الإسرائيلية، رغم أن الأول يريد دفع حل حقيقي للصراع وإنهاء الاحتلال وبناء دولة فلسطينية منوها لكون ذلك “مصلحة مشتركة للشعبين”.
يشار إلى أن غانتس كان قد التقى عباس في زيارة رسمية في أغسطس/ آب الماضي في رام الله قال بعدها بينيت، إن اللقاء تداول مسائل جارية تتعلق بالمؤسسة الأمنية مقابل السلطة الفلسطينية، وتابع: “لا توجد أي مفاوضات سياسية ولن تكون مع السلطة الفلسطينية”. وفي يوليو/ تموز الماضي هنأ غانتس أبو مازن في محادثة هاتفية بعيد الأضحى وأبلغه بنيته القيام بخطوات لتعزيز الثقة وسبق أن قال غانتس بعد انتهاء عدوان “حارس الأسوار” في مايو/ أيار، إن ما تم حتى الآن لن يتكرر مهددا بضرب حماس بقوة داعيا لإضعافها سياسيا أيضا. كما قال وقتها إنه يرغب بتقوية السلطة الفلسطينية سياسيا أيضا مقابل حركة حماس التي حملت بشدة على لقاء غانتس عباس ليلة الثلاثاء.
المصدر : القدس العربي