حكومة ومجلس يتصارعان على كرة مخرومة

أحمد الجارالله …..

 

لكأن الكويت خرجت من جلدها، ونما لها جلد آخر لا يشبه تاريخها، وتقاليدها، ولا حتى ديمقراطيتها التي تأسست عليها أركان النهضة فيما يسمى الزمن الجميل، حين كان المسؤول صاحب موقف وكلمة، ورأيه يُسمع، وإذا تعرض لأي ضغط إما واجه بثبات، أو تقدم باستقالته من منصبه.
للأسف، إن كل ذلك لم يعد موجوداً حاليا، بل عدم استقرار السلطة التنفيذية أفسح في المجال للمتمصلحين كي يتسلقوا إلى حيث تحقيق مصالحهم على كراسي الوزارات والاستفادة بأعلى نسبة في أقل وقت ممكن، ليقينهم أن عمر الحكومة ليس طويلًا، لذا يزداد الانحدار، وتغيب الأفكار والبرامج الوزارية، إذ ليس المطلوب الإنجاز، بل تقطيع الوقت والتفرغ للمشاحنات مع النواب على أمور خاصة، وإن تغلفت بالمصلحة العامة.
ربما من المفيد العودة إلى حكومة المغفور له الشيخ سعد العبدالله، رحمه الله، المعلنة في 3 مارس 1985، التي ضمت خيرة من رجالات الكويت، فرسان المواقف الذين لا يغريهم المنصب، ومن هؤلاء المغفور له يوسف النصف، رحمه الله، الذي حين طلب منه الانضمام إلى الحكومة قال بوضوح: “لا أصلح لكم، فأنا لدي شروط تخص إعادة تنظيم الوزارة، ولا أعتقد أنكم ستوافقون عليها”، لكن الشيخ سعد طلب منه أن يدخل الوزارة وأن شروطه ستُنفذ.
في ثاني جلسات تلك الحكومة، أي بعد مرور ثمانية أيام على وجوده في منصبه، قدم النصف مقترحاته، فاعترض وزير العدل والشؤون القانونية والإدارية، حينذاك، الشيخ سلمان الدعيج السلمان الصباح، أطال الله بعمره، وقال إن ذلك يحتاج إلى قوانين، فيما لم يجب الشيخ سعد العبدالله، فما كان من النصف إلا تقديم استقالته اعتراضاً على الطريقة التي يُدار بها مجلس الوزراء.
وفي أول جلسة لمجلس الأمة التي عقدت في 26 مارس، تحولت الاستقالة محور حديث الجلسة، وطالب النواب حينها بإعلان الأسباب التي دفعت وزيراً للخروج من الحكومة بعد أسبوع من تأليفها ونيلها الثقة.
لا تزال هذه الاستقالة إلى اليوم دليلاً على قدرة الوزراء على التغيير، لكن في ظل العجز الحكومي الذي يفوق العجز المالي بمخاطره، ومع وجود وزراء “كل يغني على ليلى مصالحه الخاصة”، ورئيس مجلس وزراء لا يبادر، يبدو أن المخاطر آخذة في الازدياد، فلا الحكومة سلطة تنفيذ فاعلة، ولا مجلس الأمة سلطة تشريع نشيطة، بل كلاهما أقرب إلى فريقين يتهاوشان في السكيك على كرة قدم مخرومة.
في مرحلة الكبار، كانت السلطتان تعملان بمسؤولية وطنية، ولم يكن الوزير يجاهد كي يعين الأقارب و”الحبايب” في المناصب، ولا يرضخ لمتنفذ، كما هو حاصل حالياً، كما أن النائب لا يفتعل المعارك السياسية من أجل تمرير مناقصة هنا، أو تعيين مفاتيح انتخابية هناك، وحينها أُقرت أعظم القوانين الحديثة، فيما اليوم تكاد الكويت تفتقد تلك القامات بسبب العجلة في اختيار الوزراء ورئيسهم بعدما أصبح المنصب طارداً للكفاءات نتيجة عدم الاستقرار، إذ هل يعقل أن تُشكَّل أربع حكومات في غضون 23 شهراً، أي أن عمر كل واحدة منها أقل من ستة أشهر!، فهل كل هذه الحكومات مولود خديج، وهل ستكون قادرة على الحياة والنمو والعمل؟

الكويت / السياسة الكويتية

قد يعجبك ايضا