البطريرك الماروني يصعد من موقفه.. انقسام سياسي وطائفي حاد في لبنان يهدد وحدة الخيارات

الشرق الأوسط نيوز : صعد البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي من موقفه تجاه التطورات الأخيرة في لبنان، وما تعرض له المطران موسى الحاج في بلدة الناقورة الحدودية خلال عودته من الأراضي المحتلة حاملا مبالغ مالية وأدوية من عناصر مليشيا لحد التي تعاونت مع الاحتلال الإسرائيلي (1978-2000).

ورد البطريرك الماروني في كلمة له أمام حشد من المواطنين في ​المقر البطريركي في الديمان شمال بيروت، على من اتهم المطران الحاج بالعمالة والخيانة، قائلًا: “كفّوا عن قولكم إن المساعدات تأتي من العملاء، وابحثوا عن العملاء في مكان آخر فأنتم تعلمون أين هم ومن هم”، مبيّنًا أنّ “البطريركية صامدة على مواقفها، وستتابع مسيرتها لإنقاذ لبنان، بالاستناد إلى منطلقات الحياد الإيجابي الناشط واللامركزية الموسعة وعقد مؤتمر دولي خاص بلبنان، لبت الملفات الخلافية التي يعجز لبنان عن حلّها؛ ونعاهد اللبنانيين بالوقوف إلى جانبهم مهما عصفت التحديات فيكفي اللبنانيين عذابات”.

ولفت البطريرك الراعي، إلى أنّ “سيادة المطران موسى الحاج تعرّض للانتهاك في الناقورة قبل أيّام، واتّصالات الاستنكار لما حصل كانت كثيرة لا سيما من رئيسي الجمهورية والحكومة”.

كما خاطب البطريرك الماروني الحشود أمام البطريركية، “أتيتم لتعبّروا عن رفضكم واستيائكم وإدانتكم للإهانة ولما حصل مع ​المطران موسى الحاج​، الّذي هو ليس إهانة للمطران فحسب، بل إهانة للبطريركية المارونية، فالقوانين تقتضي بألّا أحد يسائل أو يفتَّش أو يوقف أسقفا أو كاهنا أو راهبا، من دون استئذان البطريرك”. معتبرا أنّ “ما حصل إهانة لي شخصيًّا”، مطالبًا المعنيّين بـ”تسليم المطران الحاج كلّ ما صادروه منه فورًا، أي جواز سفره اللّبناني، هاتفه الخليوي، وكلّ المساعدات الماليّة والأدوية الّتي أرسلها ​لبنان​يّون من الأراضي المقدّسة إلى أهاليهم في لبنان من كلّ الطّوائف، وهذه أمانة يجب أن تصل إلى أصحابها؛ وعلى من صادرها إعادتها اليوم قبل الغد”.

مصدر لبناني أكد في اتصال مع “القدس العربي” أن البلاد بدأت تتجه أكثر فأكثر نحو الانقسام والاصطفاف حول الخيارات الاستراتيجية المطروحة، والتي كانت عبر تاريخ لبنان مصدر انقسام وحروب داخلية.

فقضية المطران الحاج شكلت شرارة في “هشيم” الخلافات المدفونة تحت “رماد” المرحلة، لإطلاق المواقف وارتفاع الأصوات من جديد ليس حول ما تعرض له المطران الحاج عند معبر الناقورة فحسب، بل تناولت العديد من القضايا الاستراتيجية أبرزها ما يثار اليوم حول الهيمنة القائمة على لبنان وسياسة الأمر الواقع بقوة السلاح، والعلاقة مع الدول العربية وإدخال لبنان في محاور أدت إلى تجويع اللبنانيين وحصارهم وعزلهم عن محيطهم.

كما جاءت البيانات والتصريحات الرافضة لما تعرض له المطران، والمؤيدة لمواقف البطريرك الماروني، بسرعة مدهشة كأن “الكبت” القائم في البلد لا يحتاج سوى لطلقة انطلاق.

وأكد متروبوليت ​بيروت​ وتوابعها للرّوم الأرثوذكس المطران ​إلياس عودة، “ما جرى مع ​المطران موسى الحاج​ غير مقبول وينذر بوجود نهج جديد في التعامل الأمني والقضائي، يؤدي إلى تداعيات خطيرة على مستوى الوطن، وهذا أمر خطير ومرفوض ونأمل عدم تكراره”.

ولم تقتصر المواقف المؤيدة للبطريرك على المرجعيات الدينية، فقد اعتبرت عضو تكتل الجمهورية القوية النائبة غادة أيوب التي شاركت مع عدد من النواب في وقفة مع البطريركية المارونية في الديمان، أن استهداف البطريركية هو استهداف للبنان الدولة والسيادة والحياد والميثاق.

وأشار وزير الشؤون الاجتماعية ​هكتور حجار​، إلى أنّ هناك احتراما وأصولا للتعامل مع ​المطران الحاج​ وكان يجب الاتصال بالبطريرك الراعي​ قبل التعرض له.

من جهته، أكد النّائب في البرلمان اللبناني ​بيار بو عاصي​، “أنّنا خلف البطريرك، وفي حال عدم معالجة القضيّة، فالموضوع مفتوح على كلّ الاحتمالات”.

بدوره، تساءل عضو كتلة نواب الكتائب اللّبنانيّة النّائب ​نديم الجميل​، في تصريح على مواقع التّواصل الاجتماعي، “أين العمالة من الّذين يجاهرون بولائهم لإيران​؟ أين العمالة من الّذين يقحمون ​لبنان​ في صراعات لا تخدم إلّا المشروع الإيراني؟ أين العمالة من الّذين يهرّبون​ الطحين​ والمازوت إلى ​سوريا​؟”، مشيرًا إلى أنّ “كما قال البطريرك الماروني الكاردينال ​مار بشارة بطرس الراعي​، ابحثوا عن العملاء في مكان آخر”.

المواقف التي أطلقتها بعض الشخصيات المؤيدة للبطريركية والرافضة للإجراءات التي تعرض لها المطران الحاج كانت حادة، وأشارت إلى أن اللبنانيين ليسوا على موقف واحد من الاستحقاقات السياسية والمصيرية التي تحدد مستقبل لبنان ومعالمه القادمة، وإذا كان لبنان السياسي والاقتصادي والأمني قد تعرض لحالة من الانهيار الشامل، فإن بداية الحديث عن إمكانية تدخل دولي قريب أو بعيد قد يزيد من الخلافات بين الأطراف اللبنانية، حول أي لبنان يريدون؟ وأي لبنان سيتفقون عليه، خاصة وأن كل طرف من الأطراف بدأ يستعرض الأسلحة التي يمتلكها، ويراهن على ضعف الطرف الآخر.

لذلك، لم تتأخر الردود على موقف البطريرك الراعي، حيث كشف نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب، أنّ الأوهام التي تثيرها بعض المراكز والقوى داخل الطائفة المسيحية وبعض القوى تطمح للتقسيم الذي بدأ يطل من جديد وتحاول الدفاع عن العمالة والعدو الإسرائيلي بمبررات واهية.

كما توجه ​المفتي الجعفري​ الممتاز ​الشيخ أحمد قبلان​، “لشريك الوطن والعيش المشترك ​البطريرك الراعي​”، مشيرا الى أن “الميليشيات العميلة جزء من الكيان الاسرائيلي، وهو أكبر عدو للبنان، وشبكات عملائه جزء من معركته الأمنية ولاعب رئيسي بملفات استهداف هذا البلد ووجوده، لذلك معاداة تل أبيب تعني معاداة عملائها وشبكاتها وخنق وجودها وقمع يدها وماليّتها وأي خطأ بهذا المجال كارثي”.

وتابع في بيان: “لا نريد الانزلاق للعبة تمزق البلد وتأخذه للمجهول، والجميع تحت ​القانون​ شيخ ومطران، يجب “عدم الرأفة بالمواضيع الأمنية والمصالح الوطنية، ومعاداة إسرائيل مصلحة لبنانية وجودية”.

وشدد القيادي في حزب الله، رئيس تكتل بعلبك الهرمل النائب حسين الحاج حسن “سنبقى نعتبر كل أشكال التطبيع والتواصل مع الإسرائيلي والتفريط بحقوق الشعب الفلسطيني خيانة لهذه الأمة وقضاياها، مهما بلغت الضغوط والتحديات”.

مواقف متباعدة أطلقتها القوى والشخصيات اللبنانية المختلفة حول خيارات لبنانية الاستراتيجية والمصيرية، لا تهدد باندلاع حرب شاملة أوصدامات مسلحة واسعة،  بين هذه الأطراف على الأقل بالمدى المنظور، نظرا لطبيعة الحياة المتردية وحالة الانهيار والموت السريري الذي يمر به لبنان، لكن من الواضح أن التطورات الميدانية وحالة الاحتقان، والمواقف السياسية تنذر بمخاطر ليس من السهل اليوم رسم صورتها الدقيقة.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا