آلاف السودانيين يتظاهرون للتنديد بالعنف القبلي وللمطالبة بإسقاط الانقلاب

الشرق الأوسط نيوز : شارك آلاف المحتجين في تظاهرات «السودان الوطن الواحد»، الثلاثاء، في تقاطع باشدار، وسط الخرطوم، للتنديد بالعنف القبلي وخطاب الكراهية، والمطالبة بإسقاط الانقلاب والحكم المدني الديمقراطي في البلاد، حيث سقط قتيل برصاص الأمن حسب لجنة أطباء السودان.
وجاءت تظاهرات الثلاثاء، بدعوة من المجلس المركزي لـ «الحرية والتغيير»، الذي اتهم قادة الانقلاب بتأجيج النزاع الإثني وتحشيد القبائل.
وتشهد البلاد منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، موجة واسعة من العنف القبلي، أودت بحياة المئات، كان آخرها الأسبوع الماضي، في ولاية النيل الأزرق جنوب السودان حيث قتل 105 وأصيب ونزح الآلاف، والتي امتدت إلى شرق البلاد.
وحسب المنسقية العامة للنازحين واللاجئين قتل نحو 1000 سوداني منذ الانقلاب، في النزاعات القبلية في دارفور، والتي تشارك فيها مجموعات مسلحة بعضها تابع للسلطات السودانية.

العسكر للثكنات

وبحضور عدد كبير من قادة «الحرية والتغيير»، انطلقت تظاهرات الأمس، التي كان الهتاف الأبرز فيها : «كل الوطن للناس. لا خاصة لا عامة»، «لا جهوية. لا قبلية. السودان الوطن الواحد»، «حرية، سلام وعدالة. مدنية قرار الشعب»، «السلطة سلطة شعب. الثورة ثورة شعب. العسكر للثكنات والجنجويد ينحل»، وغيرها من الهتافات المنددة بالتحشيد القبلي وقادة الانقلاب. وفي وقت قمعت فيه مجموعات مسلحة ترتدي الزي المدني تظاهرات الأمس، بالهراوات والأسلحة البيضاء، انتقل الموكب المندد بالعنف القبلي إلى تقاطع شارع 41 غرب باشدار، حيث تواصلت التظاهرات حتى المساء.

تباين

وكانت مواقف لجان المقاومة قد تباينت حول المشاركة في التظاهرات التي دعت لها «الحرية والتغيير»، أمس، حيث شارك عدد من اللجان في الموكب، مؤكدة دعمها للحراك المدني المناهض للعنف وخطاب الكراهية، بينما رفضت أخرى قيام التظاهرة، متهمة «الحرية والتغيير» بالمضي في خط التسوية مع العسكر.
وقالت لجان مقاومة حي الديوم الشرقية، في بيان، إنه «لا يحق لأي حزب أو تحالف أو جسم، أن يقيم منصة أو يخاطب الجماهير في تقاطع باشدار، وسط حي الديوم الشرقية، سوى لجان المقاومة»، مؤكدة أنها «تنأى بنفسها عن الصراعات والمشاكسات والتكتلات الحزبية القديمة والجديدة، وأن شوارع الثورة ليست ميداناً لهذه المعركة».
إيمان إسماعيل، والدة قصي حمدتو، أحد ضحايا فض العسكر للاعتصام أمام القيادة العامة للقوات المسلحة في 3 يونيو/ حزيران 2019، قالت لـ« القدس العربي» إنها شاركت في تظاهرات الثلاثاء لدعم التعايش السلمي والسودان الموحد ورفض الحروب والنزاعات القبلية، مؤكدة أن التنوع الإثني والتعدد الثقافي من المميزات التي تحظى بها بالبلاد، ولا يجب أن تكون سببا للاحتراب والنزاع القبلي.
ولفتت إلى أنه «في ظل تطور الإنسانية والتقدم والوعي الإنساني والعالم الحديث يجب أن تكون مسألة القبيلة والعشيرة أمرا غير مهم، وأن يتم تعزيز الانتماء للوطن، من أجل بناء السودان الذي يحلم به الشباب والذي يتمتع فيه جميع المواطنين بخيراته على حد سواء».
أما المتظاهرة سناء عوض، فقالت لـ«القدس العربي» إنها شاركت في تظاهرات الثلاثاء، للتأكيد على رفض السودانيين لخطاب الكراهية والقبلية والجهوية والعنصرية والتأكيد على إرادة السودانيين على الحفاظ على وحدة البلاد.
وأضافت: إننا نريد أن نكسر للعسكر أساليبهم حول جدوى استخدام الأساليب العنصرية والجهوية التي ظل يستخدمها نظام الرئيس المخلوع عمر البشير.
وعلى الرغم من هجوم المجموعات المجهولة، تواصلت الاحتجاجات التي قادها عدد من قادة «الحرية والتغيير»، أبرزهم محمد الفكي سليمان، عضو المجلس السيادي الأسبق، وخالد عمر وزير شؤون مجلس الوزراء في الحكومة الانتقالية، التي نفذ العسكر انقلابا عسكريا ضدها في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

«لا للانقلاب»

كما شارك مقرر لجنة «إزالة التمكين» وجدي صالح، ومساعد رئيس حزب الأمة صديق الصادق المهدي، والأمين العام للحزب الواثق البرير.
صالح قال لـ «القدس العربي»إن «المشاركة الحاشدة في التظاهرات الرافضة للعنصرية والجهوية، تؤكد الموقف الطبيعي للسودانيين، للرد على دعاوى الفتنة القبلية في السودان، والنزاع المصنوع»، مؤكدا أن «وحدة السودان شعبا وأرضا والعيش في سلام وتحقيق تطلعات الشعب السوداني لا يتم إلا بإسقاط الانقلاب العسكري الذي يعمل على تفتيت النسيج الاجتماعي السوداني».

بمشاركة قادة «الحرية والتغيير»… ومسلحون يرتدون الزي المدني هاجموا المحتجين… وسقوط قتيل

وأضاف: «أنهم خرجوا ليقولوا لا للانقلاب، معولين على الارادة الجماهيرية التي يؤمنون أنها قادرة على إسقاط الانقلاب لا محالة».
وبيّن أن قوى «الحرية والتغيير» تمضي في التنسيق مع غيرها من القوى المدنية للعمل المشترك من أجل الحفاظ على وحدة السودانيين والحفاظ على النسيج الاجتماعي في البلاد.

رفض العنصرية

أما المهدي فقد اتهم في حديثه لـ«القدس العربي»، سلطات الانقلاب ونظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بـ«تأجيج الصراع القبلي في البلاد»، مشيرا إلى أن «قوى الحرية والتغيير، دعت إلى تظاهرات» السودان الوطن الواحد» للتأكيد على الموقف الموحد للسودانيين من أجل الحفاظ على كرامة الوطن والمواطن ورفض العنصرية والقبلية والجهوية والحفاظ على قيم الثورة السودانية، والمطالبة بحماية المدنيين».

وأشار إلى أن «قوى الحرية والتغيير أجرت اتصالات واسعة داخل المناطق التي تعرضت للعنف القبلي للدفع من أجل السلم المجتمعي وتقديم الخدمات للمتأثرين من الأحداث»، مشيرا إلى أن «وتيرة النزاعات القبلية التي راح ضحيتها المئات، تصاعدت منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية».
وشدد على أن «الحل الجذري للنزاعات القبلية لن يتأتى إلا بدحر الانقلاب وتأسيس الحكم المدني الديمقراطي».

تحد كبير

وتواجه «القوى المدنية تحديا كبيرا في ظل محاولة قادة الانقلاب مقايضة أمن واستقرار البلاد بالتحول المدني الديمقراطي، من خلال تفجير الأزمات بين المكونات الاجتماعية في البلاد»، وفق ما أوضح القيادي في «الحرية والتغيير»، والمتحدث الرسمي باسم حزب التحالف الوطني السوداني، شهاب الدين الطيب، لـ«القدس العربي».
وشدد على أن «التحدي الماثل يتطلب أن تكون القوى المدنية على قدر المسؤولية، وأن تمضي نحو الوحدة من أجل اسقاط الانقلاب العسكري».
ولفت إلى أن «استمرار الانقلاب الذي أكمل شهره التاسع لوقت أطول، يعتبر مهددا حقيقيا لوحدة السودان»، مشيرا إلى أن «تظاهرات السودان الوطن الواحد، تحمل عدة رسائل للقوى المدنية تؤكد خلالها الحرية والتغيير حرصها على وحدة البلاد ووحدة المكونات المدنية، وكذلك رسالة لقادة الانقلاب بأنه لا يمكن أن يقايض السودانيون الحكم المدني بأي شيء، وأن استقرار البلاد يتطلب إسقاط الانقلاب وتوحيد الجيوش في جيش قومي موحد وهياكل سلطة تعبر عن مشاركة الجميع».
كذلك أشارت القيادية في «الحرية والتغيير»، وحزب المؤتمر السوداني، مواهب مجذوب لـ«القدس العربي» إلى أن «السودان بلد متعدد الثقافات والأعراق والأديان ويتسم بالتعايش السلمي، إلا أن الأنظمة الشمولية ظلت تسعى لتأجيج الصراع القبلي، لتستمر في الحكم لفترات أطول»، مشيرة إلى أن ذلك «نهج الشموليين منذ نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، بإشعال الفتن القبائل والمكونات الاجتماعية لتشغل الشارع السوداني عن قضاياه الأساسية المتمثلة في التحول الديمقراطي وبناء دولة الحرية والسلام والعدالة». وأضافت أن «الأنظمة الشمولية تمضي في إشعال الحروب عبر التمييز بين القبائل والمجموعات، مما أدى إلى إزهاق الأرواح وتشريد السودانيين وتفريق وتشتيت السودانيين، مثلما حدث عند انفصال دولة جنوب السودان في عام 2011، الذي كان نتاجا للخطاب العنصري والقبلي للنظام السابق».
ولفتت إلى أن «قوى الحرية والتغيير تراقب ما يحدث من عنف قبلي مصنوع من أنصار النظام البائد والانقلاب، في مناطق مختلفة من البلاد، وما حدث مؤخرا في إقليم النيل الأزرق جنوب البلاد، وسقوط عشرات القتلى ونزوح الآلاف». وشددت على أن «تظاهرات السودان الوطن الواحد، جاءت للتأكيد على تمسك السودانيين بالتعايش السلمي»، مؤكدة على أن «ذلك لن يتم إلا في حال تحقيق التحول المدني الديمقراطي وإنهاء انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي».
وأشارت إلى أن «نزول السودانيين إلى الشوارع في تظاهرات الأمس، يؤكد إيمان السودانيين بقيم الوحدة والتعايش والمواطنة وتطلعهم للحكم المدني الديمقراطي»، مؤكدة أن «إرادة السودانيين ستنتصر في النهاية، على الرغم مما يحيط بالبلاد من مطامع بعض الدول الداعمة للشمولية في ثروات السودان الغني بموارده وثرواته وحضارته وثقافاته». وفي السياق قال المحلل السياسي، حاج حمد لـ «القدس العربي» إن كل النظم الشمولية تستخدم العنصرية والجهوية كأدوات لإلهاء الخصوم السياسيين»، مرجحا أن العسكر الذي يرى أنهم بقايا اللجنة الأمنية لنظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وحلفاءهم المحليين والأجانب المتمثلين في إسرائيل ودول داعمة للشمولية في الإقليم، هم من يعبثون بالنسيج الاجتماعي للقوى التقليدية في السودان حتى يفرضوا على القوى السياسية المشاركة في السلطة خوفا على مصالحهم التي ظل يحرسها لهم الزعماء العشائريون.
ولفت إلى أن المعارضة الحضرية المتمثلة في شباب المدن عصية على الأدوات القديمة التي لا تزال الأنظمة الشمولية تستخدمها من تأجيج للعنصرية وخطاب الكراهية.

المصدر : القدس العربي

قد يعجبك ايضا