المطران عطا الله حنا: الغرب ليس مسيحياً وبسياساته الخاطئة تسبّب بتهجير المسيحيين من المشرق
الشرق الأوسط نيوز : شارك المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس، في ندوة على الزوم حول عراقة الحضور المسيحي في المشرق، وفي فلسطين، الأرض المقدسة، على وجه الخصوص، والتي دعت إليها مؤسسة مسيحية في بريطانيا. وكان المتحدث الرئيسي في أعمال هذه الندوة الافتراضية.
قال المطران في كلمته إن نور المسيحية بزغ من فلسطين، الأرض المقدسة، وإنها هي أرض الميلاد والتجسد والفداء، ومنها انطلق الرسل القديسون إلى مشارق الأرض ومغاربها، مبشرين ومنادين بالتعاليم المسيحية السامية. منوهاً بأن المسيحيين في فلسطين أصبحوا قلة في عددهم بسبب النكبات والنكسات التي تعرّض لها شعبنا، وبسبب عوامل أخرى أيضاً، ولكنهم ليسوا أقلية، فقلة العدد لا تعني أننا أقلية، ونحن نرفض رفضاً قاطعاً أن يتم التعامل معنا كمسيحيين في فلسطين، أو في هذا المشرق، وكأننا أقليات في أوطاننا.
وتابع: “لسنا أقليات، ولسنا جاليات، ولسنا بضاعة مستوردة من أي مكان في هذا العالم، كما أننا لسنا من مخلفات أي نوع من الحملات التي مرت ببلادنا، والتي استهدفت المسيحيين كما استهدفت غيرهم من المواطنين”. وقال أيضاً إن المسيحيين هم أصلاء في انتمائهم لهذا المشرق وسياسات الغرب الخاطئة هي التي أدت الى تهجيرهم واقتلاعهم وإفراغ منطقة الشرق الأوسط من هذا المكوّن الأساسي.
وأضاف المطران حنا: “كلنا نعرف من الذي احتل العراق ودمّره وشرد أبناءه، ومن الذي دمّر في سوريا، وشرد أبناءها، ومن الذي تآمر على فلسطين وشعبها، وما زال يتآمر حتى اليوم. وكلنا نعرف من الذي يغّذي المنظومة الداعشية بمسمياتها وأوصافها المختلفة والمتعددة، والتي تستهدف المسيحيين وغيرهم من المواطنين، وكلكم شاهدتم ماذا حدث مؤخراً في بلدة السقيلبية السورية، وفي غيرها من الأماكن”.
حنا: كلّنا نعرف من الذي دمّر في سوريا، وشرّد أبناءها، ومن الذي تآمر على فلسطين وشعبها، وما زال يتآمر حتى اليوم. وكلنا نعرف من الذي يغّذي المنظومة الداعشية، والتي تستهدف المسيحيين وغيرهم من المواطنين، وكلكم شاهدتم ماذا حدث مؤخراً في بلدة السقيلبية السورية.
وأكد المطران حنا أن المسيحيين في هذا المشرق، وفي قلبه النابض فلسطين، الأرض المقدسة هم أناس مسالمون، وليسوا دعاة حروب وقتل وعنف، بل دعاة سلام وحق وعدالة ونصرة لكل إنسان مظلوم يسعى من أجل العيش الكريم بأمن وأمان وسلام. وأضاف: “في فلسطين نحن فلسطينيون نحب وطننا وننتمي إليه بكل جوارحنا، ولا يحق لأية جهة في هذا العالم أن تمنعنا كمسيحيين فلسطينيين من أن نعبّر عن انتمائنا الروحي وانتمائنا القومي والوطني”.
لا نتبع جهة سياسية
كما قال حنا: “نحن لا نخاف من أن نعبّر عن انتمائنا، ولسنا تابعين لأية جهة سياسية، ولسنا جزءاً من الصراعات والمناكفات والانقسامات الموجودة. انتماؤنا هو للمسيحية المشرقية التي بزغ نورها من هذه الأرض المقدسة، وانتماؤنا لهذا المشرق وهويته الحضارية وأمتنا العربية، التي نحن مكوّن أساسي من مكوناتها. أما في فلسطين، فنحن فلسطينيون، هكذا كنّا، وهكذا سنبقى، ولن نسمح لأية جهة بأن تمس بانتمائنا وعراقة حضورنا وتاريخنا في هذه الأرض المقدسة”.
وأشار المطران إلى أن كثيرين يتحدثون عن ضرورة الحفاظ على الحضور المسيحي في هذا المشرق، والبعض يقول بأننا يجب أن نحمي من بقي من مسيحيين في فلسطين، وفي هذا المشرق. نحن في الواقع لا نراهن على الغرب، فهذا الغرب تخلّى عن مسيحيّته منذ زمن. لافتاً أنه في الغرب هنالك مسيحية، ولكن لا يمكننا أن نصف الغرب بأنه مسيحيّ، وسياسات الغرب هي من المسببات الأساسية لتهجير المسيحيين ولا حاجة لسرد ما ارتكبته أمريكا وغيرها من جرائم مروعة في هذا المشرق بحق شعوبنا، والمسيحيون هم أيضا دفعوا فاتورة هذه السياسات الظالمة إلى جانب كافة أبناء أمتنا العربية.
ونوه المطران حنا أن المسيحيين في المشرق لا يطلبون حماية من الغرب، لأن الغرب لا يهمه الحضور المسيحي في بلادنا، بل ما يهمه مصالحه وأجنداته، وعندما يتباكى القادة في الغرب على المسيحية في بلادنا إنما ما يقولونه هو كلام باطل يراد منه باطل، فنحن لا نصدقهم ولا نثق بهم ولا نتوقع منهم شيئاً لصالح المسيحيين وغيرهم من المواطنين، فنحن لسنا بمعزل عن المحيط الوطني الذي نعيش فيه، فآلامنا وأحزاننا هي آلام وأحزان أمتنا ومشرقنا وشعبنا الذي يناضل من أجل الحرية”.
نراهن على أمتنا العربية
وتابع المطران: “نراهن على أمتنا العربية ونراهن على إخوتنا المسلمين، شركائنا في الانتماء الإنساني والوطني، فهم المطالبون بحمايتنا والوقوف إلى جانبنا والتصدي لكافة المؤامرات التي يتعرض لها المسيحيون في هذا المشرق، وفي قلبه النابض فلسطين الأرض المقدسة. وكرر حنا تأكيده: لا نتوقع خيراً من القيادات السياسية في الغرب، فأجندتها معروفة للقاصي والداني، ونحن على ثقة بأن المسلمين المتحلّين بالرصانة والوعي والحكمة، وأبناء أمتنا العربية، هم الذين سيهبّون لمساعدة المسيحيين من أجل البقاء والصمود في أوطانهم وخاصة في فلسطين. وقال أيضاً إن تراجع أعداد المسيحيين في هذا المشرق ليست خسارة للمسيحيين وللكنائس فحسب، بل هي خسارة للأمة العربية كلّها، وللمسلمين بشكل خاص، الذي يخسرون إخوة لهم، وأصدقاء وشركاء في الانتماء الإنساني، وفي الانتماء الوطني.
حنا: لا نخاف من أن نعبّر عن انتمائنا، ولسنا تابعين لأية جهة سياسية، ولسنا جزءاً من الصراعات والمناكفات والانقسامات الموجودة.
منوهاً أنه في العراق، على سبيل المثال، الخاسر مِن تراجع أعداد المسيحيين إنما هو العراق كلّه، لأنه خسر مكوناً أساسياً من مكوناته، وكذلك في سوريا، وفي غيرها من الأقطار العربية الشقيقة التي تراجعت فيها أعداد المسيحيين.
وتابع: “كذلك في فلسطين؛ الخاسر من هجرة المسيحيين وتضاؤل أعدادهم إنما هو الشعب الفلسطيني كلّه. ولذلك فإننا نعتقد بأن حماية الوجود المسيحي في بلادنا وفي مشرقنا إنما تقع على كاهلنا جميعا كأبناء للأمة العربية الواحدة والشعب الفلسطيني الواحد. وقال إن نزيف الهجرة مستمر ومتواصل، وهذا يحتاج منا إلى وقفة وتفكير وتأمل ماذا يجب أن نفعل لكي نوقف هذا النزيف، وهذه مسؤولية جماعية وليست مسؤولية طائفية ملقاة على الكنائس والمسيحيين لوحدهم.
وخلص المطران حنا إلى القول إن المسيحيين في ديارهم، وإن كانوا قلّة في عددهم، إلا أنهم متشبّثون بانتمائهم لهذا الوطن، ولهذا الشعب ولهذه القضية العادلة، فنحن لسنا ضعفاء بل نحن أقوياء بإيماننا وانتمائنا. ونحن لسنا دعاة عنصرية وكراهية وتطرّف، بل إن أيادينا ممدودة، وقلوبنا مفتوحة من أجل تعاون بنّاء لخير هذه الأمة، ولخير هذا البلد الطيب والجميل فلسطين، الأرض المقدسة.
المصدر : القدس العربي
