نضال السكارى في وطني
بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي .……..
تلقيت إتصالا هاتفيا من أحد الأصدقاء يدعوني فيه إلى العشاء في منزله ، وحاولت الإعتذار والتملص منه إلا أنه أصرّ على حضوري إصرارا قويا لدرجة أنه حلف يمين الطلاق إن لم أحضر عنده ، وسألته عن سبب الدعوة فأخبرني عشاء وسهرة يتخللها نقاشات ثقافية وتعارفات مجتمعية رفيعة المستوى .
وبالفعل قمت بارتداء الملابس التي تليق بي أنا شخصيا ثم توجهت إلى منزل المعزِب كعادتي أبكر قليلا من الموعد إحتراما له ولضيوفه .
عندما وصلت وجلست حيث كنت أول الحاضرين ثم بدأ بعض المدعوون بالحضور حيث كان منهم بعض أصحاب المعالي والسعادة وبعضا من الشخصيات العامة والوجهاء المعروفين بتصدرهم للأعمدة الصحفية والبرامج الإخبارية وبالمجالس والجاهات في كل أنحاء الوطن من شماله إلى جنوبه .
بدأ البروتوكول الإحتفالي عندهم بحركة دوران الأصابع مع الثلج في الكاسات البيضاء ثم بدأت الرؤوس تثقُل وأزرَّة القمصان تُفتَح بعد خلّع الجاكيتات ثم السحوَلة على الكراسي وبدؤا يناقشون موضوع تهريب المخدرات إلى الأردن وحادثة إستشهاد مجموعة من الأجهزة العسكرية أثناء محاولتهم التصدي للمافيات التي تريد إغراق البلد بالمخدرات ،وكنت ارغب بالمغادرة لولا أنني وجدت أنه من المصلحة استمراري في حضور هذا اللقاء مع علمي بحرمة مجالسة المخمورين، وذلك لكي أتعرف على طريقة تفكيرهم وكيف تدار الأمور في هذا البلد ، ثم رن هاتف أحد هؤلاء المدعوين وكان عبارة عن إتصالا من أحدالبرامج الإخبارية المهمة بإحدى القنوات التلفزيونية يطلب منه تحليلا عن الوضع الذي حدث ، وبالفعل قام صاحب المعالي والسعادة والوجيه بإعطاء رأيه الذي كان عبارة عن عبارات نضالية بحتة ومحمَسة وبتفِش الغُل حتى اعتقدت انا الجالس بينهم أنني في هذه اللحظة أجلس معهم على الحدود واناضل مع الجنود دفاعا عن الوطن ، ثم تلقى أحد أخر من المدعوين أيضا إتصالا من أحد الصحفيين يطلب فيه تصريحا حول ما حدث وسيحدث ، وكان هذا الأخر لا يقل براعة عن السابق ثم انتهت الإتصالات وعادوا إلى حركة دوران الأصابع مع الثلج بالكؤوس حتى أن منهم من قضى على القناني وطلب المزيد من المعزب الذي لم يبخل عليهم بالتزويد اللوجستي .
المهم بعد أن امتلأت الرؤوس وثقُلت وارتخَت الألسُن ونشَفَت وارتجفت الأرجل وما عادت تحمل أصحابها، وصارت القمصان خارج البنطلونات واحمرّت العيون وامتدّت الأرجل على طولها وانتهت السهرة بحضور السواقين الذين نزلوا ليحملون هذه الكتل الجسدية مثل العتالين في حمل شوالات الحبوب ويضعونهم على الكراسي الخلفية كأنهم أعجاز نخل خاوية .
باليوم التالي طالعت التعليقات على حادثة إستشهاد الجنود على الحدود ووجدت أن معظم الأحاديث كانت تدور حول تصريحات المدعوين ليلة أمس وكيف أنهم حللوا ببراعة وأنهم رفعوا من معنوية الشعب وأنهم ارسلوا رسائل قوية أرهبت المافيات والمهربين وأنهم أراحوا عائلات الشهداء بتصريحاتهم وحمسوا الأخرون من الجنود بأن يحذوا حذوا زملائهم الذين سبقوهم بالشهادة دفاعا عن الوطن ، لدرجة أنني أكاد أجزم أنهم أخذوا الإهتمام الإعلامي الأكبر على الصحافة وعلى السوشال ميديا أكثر من حالة الشهداء وذويهم حتى أن بعضا منهم تم إعادة تدويرة ضمن المناصب الحكومية الرفيعة وصار مهما أكثر من ذي قبل ، بينما لا زال أولاد الشهداء ووالديهم يعانون من المواصلات عند رغبتهم بزيارة قبور شهدائهم .
هذه هي الحالة التي وصلنا لها في هذا الوطن واترك الباقي لتعليقاتكم مع تحمل كل شخص لنتائج تعليقة تحسبا من التعديلات على قانون الجرائم الإلكترونية.