مخرجات قمة منتدى الدول المصدرة للغاز في الجزائر
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات …
أن قمة الدول المصدرة للغاز ألتى كانت قد جرت وقائع أعمالها في الجزائر الشقيقة والتي شارك فيها عدد من الزعماء والقادة من بينهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في ظل توترات تشهدها الأسواق العالمية، وأكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون خلال كلمته في إفتتاح القمة، أن قمة منتدى الدول المصدرة للغاز تشكل فرصة لرسم رؤية مشتركة للحفاظ على مصالح المنتجين والمستهلكين للغاز في أن واحد، وأشار الرئيس الجزائري إلى أن الغاز الطبيعي يؤدي دوراً أساسياً في تحقيق التنمية المستدامة، وتلبية الحاجات العالمية المتزايدة على الطاقة، وكانت الوكالة الدولية للطاقة رجحت في تقريرها الفصلي الأخير بأن يسجل الطلب على الغاز زيادة ملحوظة عام 2024 مقارنة بالعام الماضي، وعزت ذلك إلى توقعات بتسجيل درجات حرارة منخفضة، وتراجع أسعار هذه المادة، وشدد الرئيس الجزائري على أن الجزائر ألتي تدرك مع الشركاء كافة أن الغاز الطبيعي يعد مصدر طاقة وفير وميسور الكلفة، وصديقاً للبيئة وداعماً لتكامل مصادر الطاقة المتجددة، لطالما أيدت فكرة توسيع دور الغاز الطبيعي في التنمية المستدامة واستخدامه كمصدر نظيف مع الطاقات الجديدة والمتجددة، وإذا كنا نسعى جميعاً إلى تدعيم التقدم التكنولوجي في هذا المجال والعقود طويلة الأجل والأسعار العادلة والسياسات ألتي تشجع على الإستثمار بتحديات في المجال الطاقة، فإن التحديات اليوم تتطلب منا تعزيز الحوار والعمل المتعدد الأطراف الذي يؤدي إلى تحقيق الأهداف ألتي وضعناها عند تأسيس منتدانا هذا، وكانت دول المنتدى قد عقدت إجتماعاً وزارياً تحضيرياً لأعمال القمة ألتي تضم 12 عضواً دائماً وهم الجزائر وإيران وبوليفيا ومصر وغينيا الأستوائية وليبيا ونيجيريا وقطر وروسيا وترينيداد وتوباغو والإمارات وفنزويلا، إضافة إلى أعضاء مراقبين، وأعلن الأمين العام للمنتدى موافقة الوزراء خلال إجتماعهم في الجزائر العاصمة على طلب السنغال الإنضمام إلى المنتدى، وبحسب المنتدى فإن أعضاءه يمتلكون 70 في المئة من إحتياجات الغاز المثبتة في العالم ألتي توفر 51 في المئة من صادرات الغاز الطبيعي المسال، وأشار المنتدى في تقرير حول توقعات الغاز العالمية لعام 2050 بأن الغاز سيبقى ضرورياً خلال العقود المقبلة، وأنه بحلول عام 2050 فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على الغاز الطبيعي 34 في المئة، إذ سترتفع حصته في المزيج الطاقوي العالمي بشكل معتبر من 23 في المئة حالياً إلى 26 في المئة، وتعمل وسائل الإعلام الجزائرية على إثراء إعلان الجزائر الذي سيكون مهماً للغاية من حيث التنسيق حول البنية التحتية للغاز، وكيفية حمايتها من أي حوادث وكذلك من حيث تطوير سياسة المنتدى، وإمكان إنضمام دول جديدة لهذه الهيئة الطاقوية، وتبقى تأكد الجزائرعلى أهمية إجراء حوار مستمر وجاد بين المنتجين والمستهلكين لبناء رؤية إستشرافية مشتركة تقر بالدور المتنامي للغاز الطبيعي في مزيج الطاقة العالمي، بإعتباره مصدراً مستداماً وتنافسياً يضمن الأمن الطاقوي، شرط تثمين أفضل وعادل للجميع، ويواجه سوق الغاز ضغوطاً منذ عام 2021 في مرحلة ما بعد جائحة كورونا، أضيفت إليها التوترات الجيوسياسية ألتى أعقبت بدء الحرب الروسية ــ الأوكرانية مطلع عام 2022، كما شهد العامان الماضيان زيادة ملحوظة في صادرات الغاز الطبيعي المسال عبر الناقلات من الولايات المتحدة الأمريكية لتعويض الإنخفاض الحاد في كميات الغاز الروسي المصدرة إلى أوروبا عبر الأنابيب، وتعد الجزائر أكبر مصدر للغاز الطبيعي في أفريقيا، ولقيت صادراتها طلباً متزايداً من دول أوروبية ومنها إيطاليا، راغبة في تنويع مصادرها وتعويض النقص في الواردات من روسيا، والجزائر اليوم ترى نفسها لاعباً دبلوماسياً دولياً وتريد أن تظهر أنها قادرة على جمع إيران وقطر وروسيا والجزائر، كما أنها تعد محاوراً محايداً قادراً على جمع دول ذات توجهات مختلفة، لذا فأن قمة منتدى الدول المصدرة للغاز في الجزائر كانت قد جاءت لتؤكد للعالم فكرة أن الغاز الطبيعي هو مستقبل الطاقة الآمن والمستدام، وهو ما جعل قادة الدول المصدرة للغاز يطالبون بحقهم السيادي في إستغلال موارد الغاز، ويتمسكون بدور التعاون بينهم من خلال المنتدى في تحقيق أمن وعدالة واستدامة الطاقة، مع التأكيد على أهمية التعاون والتنسيق بين دول المنتدى في مجالات بحوث وتقنية الغاز الطبيعي وبناء قدرات هذه الدول، ومع أهمية الحوار بين المنتجين والمستهلكين بهدف تحقيق الإستقرار في السوق، بعيداً من التدخلات الحكومية والعوائق التجارية، ولعل أهم ما أكد عليه القادة في إجتماع الجزائر هو دور الغاز الطبيعي في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة وتلبية الحاجات المتزايدة لطاقة موثوقة ومستدامة وفي متناول الجميع، وكذلك دور الغاز الطبيعي في مواجهة التحديات ألتى يفرضها تغير المناخ وأهميته في تحقيق الإنتقال الطاقي بشكل عادل ومنصف ومستدام، وأكد الزعماء والقادة على نقطة تطالب بها الدول الأفريقية والهند سواء المنتجة منها أو المستهلكة للنفط والفحم والغاز، إضافة إلى دول أوبك، يجب إعتبار الظروف والقدرات والأولويات الوطنية عند الحديث عن إنتاج الغاز واستهلاكه، ولا يمكن تحقيق أمن بيئي من دون نمو إقتصادي وتقدم إجتماعي، وهذه رسالة مهمة يجب أن يسمعها الأوروبيون دائماً، طبعاً المستقبل للغاز، من هذا المنطلق يمكن فهم قرار المملكة العربية السعودية وقف التوسع في طاقة النفط الإنتاجية لـ أرامكو من 12 مليون برميل يومياً إلى 13 مليون برميل يومياً، والتركيز على الإستثمار في الغاز في حقل الجافورة الضخم، الذي سينتج كميات كبيرة من الغاز والسوائل الغازية، وأنه مع مرور الوقت تبين بأن المستقبل للغاز مما كان قد جعل المملكة العربية السعودية تركز على الإستثمار بحقل الجافورة الضخم، خاصة بعد وقف التوسع في طاقة النفط الإنتاجية لـ أرامكو، والفكرة ليست جديدة إلا أن مستجدات إقتصادية وسياسية أكدت صحة هذه الفكرة وألتي كان ينادي بها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، وهي أن الغاز لم يعد جسراً للمستقبل، وإنما هو المستقبل، وجاء هذا بعد عامين من الحرب الروسية ــ الأوكرانية والتحولات العالمية في أسواق الغاز، وإدراك السياسيين في بعض الدول كألمانيا والهند مثلا على ضرورة العودة إلى عقود الغاز المسال طويلة المدة لضمان أمن الطاقة، وبعد الحرب الروسية ـــ الأوكرانية كان قد وقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل غير مقصود خلف تأخير سياسات التغير المناخي في أوروبا من سبع إلى ثماني سنوات، والآن تعلن كبار البيوت الأستشارية أن الصراع في أوكرانيا آخر سياسيات التغير المناخي بنحو 10 سنوات، ويبقى يتمتع الغاز بصفات غير موجودة في النفط والفحم، أهمها إستخداماته العديدة والقدرة على التعامل معه بأشكال مختلفة، إضافة إلى أنه أقل إصداراً للأنبعاثات، ولعل الذي يجعله وقود المستقبل أيضاً وفرته وخفض أسعاره وأمور أخرى، وكل هذه الصفات تجعله الخيار الوحيد والأمثل إقتصادياً وسياسياً وتاريخياً، كانت سوق الغاز محدودة بالأنابيب لكن تطور تقنية الغاز المسال حيث كانت قد مكنت من نقله بحراً إلى أي مكان في العالم، وتطور تقنية الغاز المسال في السفن العائمة يعني إمكانية إستغلال الغاز في أي مكان، واستخدامه في أي موقع، حتى لو بكميات قليلة نسبياً، كما أن تطور الأسواق من عقود طويلة المدة إلى أسواق فورية، ثم إلى أسواق مستقبلية يعني تحول سوق الغاز تدريجاً من محلية وإقليمية إلى دولية، ويتضح من التطورات الأخيرة حدوث تطور في نوعية العقود إذ أصبحت الدول المنتجة أكثر مرونة من حيث طول المدة وبعض الشروط الأخرى، خصوصاً المتعلقة بإعادة البيع، وهذه المرونة تعزز من قوة أسواق الغاز، وتجعلها أكثر قبولاً، وكان قد نتج من الزيادات الكبيرة في إنتاج الغاز المسال وصادراته زيادة أنشطة بناء حاملات الغاز المسال، مما أدى إلى زيادة الكفاءة في إنتاج هذه السفن وتخفيض تكاليفها، كما أنه في ضوء كل التطورات في أسواق الغاز المسال، هناك ميزة أخرى وهي أن الدول ألتي تحتاج الغاز فصلياً، ولمدة شهرين أو ثلاثة فقط في السنة، تستطيع إستيراد الغاز وإعادة تخزينه وتحويل أكبر جزء ممكن من الطاقة المخزونة في الوقود الصلب إلى الحالة الغازية على ناقلة، ودفع الكلف فقط لتلك الفترة، بعدها تغادر الناقلة إلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية وتقديم خدماتها لدولة أخرى هناك، ويبقى التحول الطاقي الذي تتطلبه سياسات التغير المناخي يحتاج إلى زيادة كبيرة في إنتاج البتروكيماويات وحبيبات البلاستيك ومواد أخرى، حتى إن إنتشار السياسات الكهربائية يتطلب زيادة في إنتاج مواد من البتروكيماويات لتخفيف وزنها للتعويض عن ثقل البطاريات، كما أن الزيادة الكبيرة في إنتاج البتروكيماويات تتطلب كميات ضخمة من الغاز، ومع مجيئ الحرب الروسية ــ الأوكرانية وما نتج منها من تغيرات في أسواق الغاز لتظهر الدور الضخم للغاز في الإقتصاد العالمي، وإقتصاد أوروبا تحديداً، ومن هنا لا بد من توضيح نقطتين مهمتين :
الأولى أن أوروبا ما زالت معتمدة على الغاز الروسي بـ16 في المئة حالياً وليس هناك أي بديل لهذه الكميات وعدم حصول كارثة في أوروبا في العامين الماضيين لا يعود إلى السياسات الأوروبية الحكيمة، ولكن لأن الأوروبيين كانوا محظوظين شتاءين دافئين نسبياً مع خفض أنشطة الأعاصير على مدى عامين متتالين في خليج المكسيك، الذي يصدر منه الغاز المسال إلى القارة العجوز.
أما النقطة الثانية، فإنه مع الركود الإقتصادي في بعض الدول الأوروبية وخفض معدلات النمو الإقتصادي في دول أخرى، فإن نسبة إستخدام الطاقة المتجددة تزداد على حساب الفحم والغاز، لأن سطوع الشمس وهبوب الرياح لا علاقة له بالوضع الإقتصادي، بينما يتحكم مديرو محطات الكهرباء في كميات الفحم والغاز المستخدمة، فيخفضون كمياتهما مع تراجع الطلب على الكهرباء.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات