*فادي السمردلي يكتب: مزرعة الحيوان*

*بقلم فادي زواد السمردلي* …. 

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

رواية “مزرعة الحيوان” لجورج أورويل تظل واحدة من أكثر الأعمال الأدبية تأثيرًا، إذ تقدم تصويرًا دقيقًا للطبيعة البشرية وكيف يمكن للثورات والأفكار الكبرى أن تتحول إلى أدوات في يد من كانوا يهدفون إلى إحداث التغيير فتبدأ الرواية بمزاج حالم، حيث تنطلق الحيوانات في ثورة ضد صاحب المزرعة بهدف تحقيق العدالة والمساواة ففي البداية، تهيمن روح الأمل والتغيير، وكل شيء يبدو وكأنه يسير وفقًا للمبادئ التي قامت عليها الثورة ومع ذلك، لا تلبث هذه الحيوانات التي قادت الثورة أن تتحول إلى ما كانت تحاربه، حيث تتحول الخنازير، التي كانت في البداية رمزًا للثوار، باستخدام ممارسات قمعية أكثر فتكًا من تلك التي واجهوها في البداية.

وبالنظر إلى الواقع المعاش، نجد أن هذه الرواية لا تقتصر فقط على نقد الأنظمة الشمولية، بل هي مرآة يمكن أن تبرز تطورات مشابهة في العديد من المؤسسات والمنظمات والمجتمعات إذ تبدأ بعض قياداتها مع شعارات كبيرة ووعود بالتغيير، مؤكدين أن الهدف الأساسي هو تحقيق مصلحة الجميع، وتحقيق العدالة والمساواة ، فيسود التفاؤل، وتبدو الأشياء في أبهى صورها، حيث يتعامل الجميع بحماس وإرادة صادقة إلا أنه مع مرور الزمن، وتحت ضغوط الواقع والمصالح المتشابكة، تبدأ هذه النوعية من القيادات في التراجع وتبدأ الشعارات الكبيرة بالتبخر.

في البداية، يكون الهدف هو تحسين الأوضاع والظروف وتغيير الوضع القائم لكن مع مرور الوقت، نجد أن هذه النوعية من القادة يبدأون بتحوير المبادئ التي كانوا يرفعونها وتحويلها إلى ممارسات هدفها المصلحة الشخصية للحفاظ على مناصبهم ومناسبهم بحيث تصبح المبادئ التي قامت عليها المؤسسة مجرد شعار وأداة للحفاظ على الوضع القائم وتبدأ السلوكيات التي كانت تُستنكر من قبل، بالظهور بشكل غير مباشر في القرارات والممارسات اليومية وتبدأ المؤسسات في تبرير القرارات التي كانت تعتبر في البداية تناقضًا مع قيمها الأصلية.

تمامًا كما حدث في “مزرعة الحيوان”، حيث بدأ القادة الجدد في تبرير سياساتهم على أنها ضرورية لضمان الاستقرار أو التقدم، فإن الكثير من المنظمات قد تجد نفسها تتبنى نفس السياسات التي كانت تقاومها في البداية فالقادة الذين كانوا في البداية رموزًا للتغيير يبدأون في الدفاع عن مواقفهم لتحقيق نفس الغايات التي كانوا يعارضونها ويصبح الأسلوب المتبع أكثر غموضًا، حيث تبدأ القرارات الصعبة تُتخذ بعيدًا عن أعين الجميع، وتبدأ بعض القيم في الانزلاق لتبرير استمرار الوضع القائم.

هذه التحولات تتطور تدريجيًا، وتصبح في كثير من الأحيان محورية بحيث يبدأ البعض في استخدام الموارد أو المكانة لتكريس سلطتهم ومع مرور الوقت، يندمج الشخص الذي كان في يوم ما من دعاة التغيير مع المنظومة نفسها التي كان يعارضها وبذلك، تتدهور المبادئ التي قامت عليها المنظمة، ويختفي ذلك الحلم الجميل بالتغيير لصالح مصالح فردية أو فئوية وتصبح القيادة أكثر اهتمامًا بالحفاظ على مواقعها بدلاً من الإصغاء إلى مطالب المجتمع أو الأفراد الذين كانوا يمثلونهم في البداية.

مثلما شهدنا في الرواية كيف تحولت الخنازير إلى طغاة، نجد في بعض الأحيان أن القيادات التي تبدأ بحماسة وتفاؤل نحو المستقبل، تنحرف عن مسارها وتصبح أكثر سلطوية من أولئك الذين كانوا في مواقع السلطة من قبل فتُتخذ القرارات بشكل فردي أو في دوائر ضيقة، ويُترك الأفراد الذين كانوا في بداية الطريق خلف الركب وهذا التغيير ليس فقط في الأفعال، بل في الفكر نفسه فيصبح النظام الإداري الجديد متشابها مع النظام القديم في ممارساته، ويتحول الشعار إلى مجرد كلمة مفرغة من مضمونها.

هذه الرواية هي دعوة للتفكير في كيفية تأثير السلطة في الأفراد والجماعات إذا لم تكن هناك رقابة أو توازن، فإن أي منظمة قد تسقط في نفس الفخ فحتى أنبل المبادئ قد تتحول مع مرور الزمن إلى أدوات للهيمنة والقمع، ويصبح الحفاظ على السلطة هو الهدف بدلاً من تحقيق الأهداف الكبرى التي بدأ التغيير من أجلها.
إن الحفاظ على المبادئ في ظل تغيرات السلطة يتطلب جهدًا كبيرًا، وإرادة قوية للالتزام بالقيم الأصلية، حتى عندما تزداد الفرص وتكثر المغريات.

وفي النهاية، تظل “مزرعة الحيوان” ليست مجرد سرد ، بل هي رؤية حية لحقيقة الإنسان في مواجهته مع السلطة فكما أظهرت الرواية، يمكن لأي تنظيم أو جماعة أن تتراجع عن أهدافها إذا لم يتم الحفاظ على المبادئ الأساسية في إطار عملها.

قد يعجبك ايضا

التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.