✍️ *غزة.. والموت الذي لا يغيب..*
محمود الدباس ….
في ظلمة الليل.. حين كان الهدوء.. يُخدِّر لحظاتٍ وأجسادٍ منهكةً من القصف والدمار.. على مدار أكثر من 450 يوم.. باغتت الطائرات الإسرائيلية سماء غزة.. لا نُذُر حربٍ جديدة.. فالحرب لم تتوقف أصلاً.. بل نُذُر غدرٍ قديمٍ متجدد.. غدرٌ لا يفهم معنى العهود.. ولا يتقن إلا لغة الدماء..
سقط أبو عبيدة الجماصي.. لم يكن يحمل سلاحاً في تلك اللحظة.. كان يحمل بيته داخل جدرانه.. وأطفاله بين أضلاعه.. فسقط البيت.. وسقطت الأرواح.. وسقطت قبلهم جميعاً وعود العالم وأكاذيبه..
سقط عصام الدعاليس.. لم يكن في خندقٍ قتالٍ.. بل في ميدان الصمود السياسي.. وكان يكفي أن يكون اسمه في قائمة من يرفضون الخضوع.. ليكون هدفاً لصاروخٍ بلا ضمير..
سقط اللواء محمود أبو وطفة.. لم يكن في ساحة حربٍ.. بل في ساحة مسؤولية.. يحاول أن يُبقي على النظام في مدينةٍ تحيا بين القبور.. وتقاتل بين الأنقاض.. لكن النظام الذي يخيف الاحتلال.. هو النظام الذي يُبقِي غزة واقفة..
سقط العميد بهجت أبو سلطان.. سقطت معه أسرارٌ كثيرةٌ للأمن.. لكنه ترك خلفه سراً واحداً لا يموت.. أن غزة لا يُمكن أن تُخترق.. حتى لو سقط حراسها الواحد تلو الآخر..
سقط أبو عمر الحتة.. لم يكن مجرماً ولا محارباً.. كان وكيلاً لوزارة العدل.. والعدل وحده يكفي.. ليكون سبباً في اغتياله.. لأن الاحتلال لا يريد عدلاً.. يريد أن يكون القاتل والقاضي في آنٍ واحد..
كل هذه الأسماء.. لم تسقط في معركة وجهاً لوجه.. لم يكن هناك سلاحٌ يواجه سلاحاً.. كان هناك يدٌ تضغط زراً في مكانٍ بعيدٍ.. لتقتل عائلةً بأكملها.. ثم تُصدر بياناً مليئاً بالكذب عن “أهدافٍ دقيقة”.. وكأن العدالة في قاموس الاحتلال.. تُكتب بالبارود والنار..
لكن السؤال هنا.. هل هذه الأفعال.. هي أفعال جيشٍ مُنهكٍ.. يبحث عن الخروج بأي ثمن؟!..
أم هي أفعال جيشٍ شيمته الغدر.. لا يرقب في عدوٍ إلاً ولا ذمة؟!..
أم أن هذه القوات.. وجدت نفسها في فخٍ لم تحسب له حساباً.. فبدأت تنفذ عملياتٍ يائسةٍ.. كمنتحرٍ على شواطئ غزة؟!..
ربما ستُجيب الأيام.. لكن غزة لم تَعُد تنتظر إجابات.. فهي مشغولةٌ بدفن شهدائها.. ومشغولةٌ أكثر.. بصناعة جيلٍ جديدٍ.. يُدرك أن الحرب الحقيقية.. ليست فقط في ساحة المعركة.. بل في البقاء رغم الموت.. والنهضة رغم الركام.. والوفاء لمن رحلوا رغم أنف الاحتلال..
محمود الدباس – أبو الليث..
😇🙏🌷