✍️ حين تصبح الكرامة في البساطة لا في المبالغة.. نحتاج لمَن يعصبها برأسه المرفوع

محمود الدباس   ….

التمسك بالعادات والتقاليد ليس رجعية.. بل هو صلابة هوية.. وسياج يحمي النفس من التيه في زمن التسيّب.. فثمة أشياء لا تبلى مهما تغيّرت الأزمان.. وثمة خصال فينا.. لا نرثها من الكتب.. بل من حضن الجد.. ومن هيئة الوالد.. ومن دعاء الأم في بيوت الطين. لكن حين تنقلب العادة إلى استعراض.. وتصبح الفضيلة وسيلة للتفاخر.. تفقد معناها وتفسد مقصدها.. لأن الكرم لا يُقاس بعدد المناسف.. كما أن الحزن لا يُقاس بعدد المدعوين.. العبرة ليست في مظاهر الفرح أو الحزن.. بل في صدق المشاعر وطيب النوايا.

الناس اليوم يئنّون.. لا لأنهم كارهون للعطاء.. بل لأنهم مثقلون بالتوقّعات.. مرهقون من مجاراة مَن سبقوهم بخطوة في الدخل.. ولكن بعشرات الخطوات في الإنفاق. والحق أن بعض العادات لم تعد تحمل دفء المعنى.. بل عبء المقارنة.. ولم يعد الفقير يفرح بزواج ابنه.. بقدر ما يُرهق وهو يلهث خلف شكلٍ لا يشبهه..

وهنا.. لا يكون التغيير في سنّ القوانين.. وكتابة الوثائق.. بل في أن يصمت أهل الوجاهة بصمت القدوة.. أن يتقدّم مًن يملكون القدرة على الإنفاق.. فيتعمّدون التخفيف.. لا لأنهم عاجزون.. بل لأنهم عقلاء.. حين يرى الناس أن فلاناً.. صاحب المال والجاه.. لم يقم مأدبة في وفاة والده.. أو اختصر عرس ابنه على مقاعد الصف الأول من العائلة.. سيجد غير المقتدر مبرراُ للبساطة.. وجسراً بناه قدوة مقتدر.. ولن يضطر للاستدانة كي يشتري كرامة وهمية..

الكرم لا يعني أن نُفقر أنفسنا لنُرضي أعيناً لا ترحم.. والحزن لا يعني أن نطعم مَن لم يأتِ ليعزّي.. بل ليأكل ثم يرحل.. الزمن تغيّر.. والجيوب أفرغتها السياسات.. لا ضيق الصدور.. وحين يكون الرحم الاجتماعي.. أوسع من الحرج.. نكون قد عبرنا من عادة تُرهق.. إلى أصالة تنفع..

الحكمة اليوم.. أن نحفظ ما تبقى من دفء العادة.. لكن أن نطفئ نار المبالغة.. قبل أن تحرق طيّب الأصل.. فالناس لا تحتاج لمن يُباهي بها.. بل مَن يُبقيها نبيلة.. خفيفة.. صادقة.. في زمن غابت فيه الصدور الرحبة.. وحضرت الأعباء الثقيلة..

فلنشعر مع بعضنا البعض.. ولا نُشعر الآخر بالنقص.. والنقيصة..

محمود الدباس – أبو الليث..
😇🙏🌷

قد يعجبك ايضا