*فادي السمردلي يكتب:القيادة الحقيقية تُبنى بالشراكة لا بالهيمنة والديكتاتورية*
*بقلم فادي زواد السمردلي* ….
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
في زمنٍ تداخلت فيه مفاهيم القيادة مع مظاهر النجومية الزائفة، برزت الحاجة المُلحّة لإعادة تعريف القائد الحقيقي، ذاك الذي لا يُختزل العمل الجماعي في شخصه، ولا يسمح بأن يُنسب الإنجاز لفردٍ واحد مهما علت كفاءته أو ظهرت حكمته فالقائد الحقيقي ليس رمزًا يُرفع، بل قوة هادئة تُنظّم وتوحّد، عقله في التخطيط، قلبه في الناس، وضميره في الحقيقة إنه من يعرف أن جوهر القيادة يكمن في إذابة الذات داخل المجموع، وفي صهر الطموحات الفردية في أتون الهدف الجماعي فليس من يسير في المقدمة هو القائد بالضرورة، بل من يدفع الجميع إلى الأمام ولو بقي في الظل.
هذا القائد لا يبني فريقًا من المنفّذين، بل ينحت كتلة متماسكة من العقول والقلوب، يُشركهم في الرؤية، ويصنع من كل فرد شريكًا أصيلًا لا تابعًا صامتًا فهو لا يحتكر القرار، بل ينقله من دائرة الفرد إلى طاولة النقاش، لأنّه يُدرك أن الأفكار العظيمة لا تُولد من عقلٍ واحد، بل من تصادم وجهات النظر وتلاقح العقول فحين يتحقق النجاح، يرفعه فوق أكتاف الفريق، لا يحتضنه لنفسه كغنيمة وحين تقع الهزيمة، لا يبحث عن شماعة لتعليق الفشل، بل يتقدم الصفوف ليقول: “أنا المسؤول”. هذه النزاهة الأخلاقية هي ما يصنع منه قائدًا حقيقيًا، لا مجرد مدير.
القائد الحقيقي يرى في نفسه حلقة في سلسلة، لا السلسلة كلها يعرف ونعرف أن تماسك المجموعة لا يكون عبر التبعية، بل عبر المشاركة، وأن الإنجاز الذي يُنسب لفردٍ واحد، مهما عَظُم، هو خيانة لمجهود جماعة بأكملها لا يسعى لأن يكون هو الوجه الوحيد في الصورة، بل يُظهر أفراد الفريق، يعطي كل ذي حقٍ حقه، لأن من يُخفي الأسماء خلف اسمه، يبني مجدًا هشًا سرعان ما يتهاوى حين يغيب.
بل إن هذا القائد يدرك أن أقوى أنواع القيادة ليست تلك التي تتحدث كثيرًا، بل تلك التي تصنع بيئة يعمل فيها الجميع وكأن القائد غير موجود، لأن كل فرد يشعر بأنه مسؤول، ومُشارك، وذو قيمة فتلك اللحظة التي ترى فيها فريقًا يتحرك بانسجام وتلقائية، دون أن يُصدر القائد الأوامر صراحة، هي لحظة انتصار القيادة الحقيقية ذلك لأن القائد الحقيقي يزرع الرؤية، ويغرس الثقة، ثم ينسحب خطوة إلى الوراء ليفسح الطريق للآخرين كي يزدهروا.
إن القائد الذي يحتكر المجد، ويلوّن الإنجازات بلونه، يزرع بذور السخط والفتور، ويحول الفريق إلى كائن خامل يُنفّذ ولا يُفكّر، ينتظر التوجيه بدل أن يبادر، ويتراجع عن العطاء حين لا يُنسب له شيء أما القائد الحقيقي، فهو من يفهم أن الجماعة هي البطولة الكبرى، وأنه إن نجح في خلق وحدة متكاملة لا يعرف فيها أحدٌ موقعه إلا من خلال انسجامه مع البقية، فقد أدّى أعظم أدوار القيادة أن يُصبح وجوده محفزًا، لا مهيمنًا؛ باعثًا للثقة، لا باعثًا للرهبة وسببًا في نهضة الجميع، لا بروز نفسه فقط.
ففي نهاية المطاف، لا يُخلد التاريخ القادة الذين صنعوا لأنفسهم تماثيل، بل أولئك الذين صنعوا من حولهم بشرًا قادرين على مواصلة الطريق دونهم.