*فادي السمردلي يكتب:إذا كان ربُّ البيتِ بالدفِّ ضاربًا، فشيمةُ أهلِ البيتِ كلهم الرقص حين يقود العابث المجاميع*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*:
*👈(القيادة فكر ونهج، لا تسلطًا يخنق الإبداع، ولا تخبطًا يربك المسار، بل مسؤولية تُلهم وتوجّه)*
هذا البيت العميق لا يخص بيتًا ولا عائلة بعينها، بل يرسم قانونًا اجتماعيًا ثابتًا أن الانحراف يبدأ من المسيطر، ويتسرب نزولًا حتى يغرق الجميع في مستنقع التهريج والتقليد الأعمى وإذا أردنا أن نُسقط هذا المعنى على الواقع البشري الأكثر انتشارًا، فإن أنسب إسقاط له يكون على المجاميع، بأنواعها وأشكالها، من أبسطها الشلّة إلى أكثرها تعقيدًا مثل الفرق ، المجموعات ، وحتى المجتمعات الصغيرة في مواقع التواصل فحين يكون “ربّ البيت” في هذه البنية الاجتماعية مجرد ضارب دفّ، فلا غرابه إن تحوّلت المجموعة بكاملها إلى فرقة راقصة لا تعرف إلى أين تتجه، ولا تهتم أساسًا بالسؤال.
في “الشِلّة”، مثلًا، حين يكون المحرّك الأساسي لها شخصية لا تملك إلا القدرة على إضحاك الآخرين(مهرج)، أو شخصًا يغذي نفسه على فرض الهيمنة عبر التهكم أو السخرية، فإن “شيمة” الشلة كلها تصبح التهريج، الغيبة، القيل والقال، أو التماهي الساذج مع كل ما يقوله القائد حتى لو كان تافهًا فلا أحد يجرؤ على الخروج عن الصف التفاهه ، لأن “الخارج” سيتهم بأنه ثقيل دم، متحذلق، أو “مش راكب على الجو” وبذلك، تتحول الشلّة إلى دوّامة مغلقة من الركاكة، مجرد فرقة فارغة تصفق لقائد الطبلة الفارغ الذي يُجيد العزف على دفّ البلادة.
وفي بعض “المجموعات”، التي تجمع أفرادًا حول مشروع أو اهتمام أو حتى دردشة، يكفي أن يكون المشرف أو من يقود الحوار شخصًا لا يُقدّر المعنى، بل يحب فقط الإعجابات والتصفيق والجدل العقيم، حتى تنقلب المجموعة من منبر حر للحوار إلى كُشك للهو والثرثرة فتسود ثقافة الانسجام المصطنع، ويُقصى كل صوت ناقد أو صاحب رؤية، لأن المعيار لم يعد القيمة بل المواكبة لنغمة الدف فكل من يُجيد الرقص اللفظي، يتقدّم ومن يتحدث بعقل أو مسؤولية، يُصفّ على الهامش.
أما في “الفرق المختصة” — فإن الخطر يكون أعمق، لأن هذه الفرق غالبًا ما تتكون من أفراد يظنون أنهم يسيرون نحو هدف ولكن، إذا كان رأس الفريق لا يعرف إلى أين يمضي، أو يستبدل التخطيط بالاستعراض، فإن الهدف يذوب، ويصبح الفريق مسرحًا للتسلية والانشغال بالشكل لا الجوهر فيصبح الإنجاز مجرد صدفة، ويُكافَئ من يجامل القائد لا من يُنجز ولأن “رب البيت” لا يرى ولا يسمع إلا الطبل، يصبح الرقص هو لغة الإنجاز الوحيدة، وتتحول المجموعة إلى نسخة باهتة من نفسها، تكرر ذاتها بلا أي قيمة مضافة.
ما يحدث في كل هذه المجاميع هو تفريغ داخلي بطيء يُحيل التجمّع إلى ضجيج، ويقتل بداخله كل احتمال للمعنى أو النمو فحين يغيب العمق من القيادة والقائد، تضيع البوصلة من الجميع لأن القائد – أو رب البيت – هو المعيار الصامت الذي يُقاس عليه كل شيء فإذا كان يضرب بالدف، فليس غريبًا أن يتعلّم الآخرون كيف يرقصون لا كيف يفكرون وكلما طالت هذه الحلقة، كلما ترسخت القناعة بأن الرقص فضيلة، والفكر والتفكير رذيله.
وهكذا، تنشأ ثقافة كاملة قائمة على السطحية، يشتد عودها كلما غاب الوعي، وتتكرر، وتتناسخ، من شلّة إلى شلّة، من مجموعة إلى مجموعة، من فرقة إلى اخرى، كأنها وباء اجتماعي صامت، ينتشر من خلال الإعجاب بقائد “الاوركسترا”، ومن خلال مسايرة القائد ، تتحوّل تلك المجاميع من كيانات حية قادرة على الفعل، إلى مسارح للرقص الرمزي، ترقص على دفّ قائدٍ لا يعرف ما يفعل، لكنها – ويا للمفارقة – تصفق له بإخلاص.