الحلم .. ذلك الزائر الغامض
محي الدين غنيم ….
الحلم، ذلك الزائر الغامض الذي يتسلّل إلينا في لحظات السكون، ليس مجرّد صور متفرّقة أو مشاهد عابرة، بل هو وجه من أوجه الوعي الجمعي الذي يعكس آمالنا وخيباتنا، طموحاتنا ومخاوفنا. إنه مرآة داخلية نرى فيها ملامح ما نريد أن يكون، وما نتمنّى أن نراه متجسّدًا في واقعنا.
ومن بين الأحلام التي تراودني باستمرار، يظل حلم واحد يملأ قلبي وعقلي: أن نعيش جميعًا في ظل المحبة والوفاء، وأن ينعم الناس بالسلام الحقيقي، ذلك السلام الذي لا يعرف حواجز الطائفة أو اللون أو المذهب أو العرق. أتوق إلى يوم تتلاشى فيه الأحقاد والضغائن التي أرهقت أرواحنا، وتذوب الكراهية كما يذوب الجليد تحت دفء الشمس.
إنني أحلم بمجتمع يتعامل فيه الناس بقلوب بيضاء، لا تُثقلها حسابات الانتقام ولا يُعكّرها سمّ الغيرة والحسد. مجتمع يعرف أن القوة الحقيقية ليست في القهر أو البطش، بل في التسامح ومدّ اليد للآخر، حتى ولو اختلفنا معه في الفكر أو العقيدة.
إن الحقد والضغينة لم يجلبا يومًا سوى الخراب، أما المحبة فهي التي تبني، والوفاء هو الذي يحفظ البناء متينًا عبر الأجيال. نحن بحاجة إلى أن نعيد اكتشاف إنسانيتنا، وأن نرى في كل إنسان آخر مرآة لأنفسنا، فإذا آذيناه نكون قد آذينا جزءًا منا، وإذا أحببناه نكون قد وسّعنا مساحة النور في حياتنا.
ذلك هو حلمي، وأؤمن أنه ليس حلمي وحدي، بل حلم كثيرين ممن أنهكهم ضجيج الكراهية وصخب الصراعات. لعلنا يومًا نستيقظ فنجد أن هذا الحلم قد خرج من ظلال الوعي الجمعي ليصبح واقعًا نعيشه، ونتنفسه، ونورّثه لأبنائنا… واقعًا بلا حقد، بلا ضغينة، بل بالمحبة والسلام فقط.
الكاتب من الأردن