حزب الله لن يقوم بتسليم سلاحه بالرغم من الأزمة الإقتصادية ألتي يعيشها لبنان
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….
من الواضح بأن خطاب الشيخ نعيم قاسم الأمين العام لـ حزب الله مؤخراً كان حاسماً بأنه يرفض التسوية ألتي هي تسليم السلاح مقابل إعادة الإعمار وتسليح الجيش وازدهار إقتصادي تحديداً في الجنوب، حتى مع إنسحاب إسرائيل من النقاط الخمس ألتي يحتلها، فإن الشيخ نعيم قاسم كان واضحاً أن السلاح باقٍ مهما فعلت إسرائيل، وهذا في تصويب مباشر على الرئيس نبيه بري رئيس مجلس النواب الذي حصل على ضمانات من توم براك بالإنسحاب، في حال سار لبنان بمبدأ الخطوة مقابل الخطوة، ورفض الشيخ قاسم هذا المبدأ هو إعلان صريح أنه حتى لو إسرائيل قامت بالخطوات الأولى فهو لن يقوم بأية خطوة مقابلة وأن هذا يعني أن إيران هي ألتى تريد مقعداً على الطاولة وأن حزب الله يقول للمجتمع الدولي ولأميركا وللعرب وللبنانيين إن إيران هي ألتي تقرر وليس الحكومة ألتي أتهمها بأنها عميلة، ولا رئيس مجلس النواب ولا رئيس الجمهورية جوزاف عون، بمعنى أكثر وضوحاً أن المسألة هناك في العاصمة طهران، وبطبيعة الحال فإن البيئة لن يكون لديها صوت مختلف، إلا حين يتبلور مشروع سياسي آخر، وهذا يحتاج إلى دعم جدي لبنائه، وربما يكون المقابل الإقتصادي عنصراً مساعداً، لكنه غير كافٍ وحده لأسباب بنيوية، فالسلاح لدى حزب الله هو هوية وعقيدة وسياق إقليمي، وهو ليس وظيفة فقط بل هوية تنظيمية تحالفية مع إيران ومعادلة الردع العابرة للحدود، ومن الممكن أن تخفف الحوافز الإقتصادية كلفة الدخول المسلح في القواعد، لكنها لا تقنع القيادة بالتخلي عن سبب الوجود وهو السلاح، وأي تحول يتطلب حزمة ضمانات أمنية داخلية وخارجية كقدرة جيش لبناني معزز فعلياً وتعهد إسرائيلي ملزم ومتحقق على الأرض بوقف الخروقات والإنسحاب المرحلي وآلية رقابة دولية محكمة وليس فقط وعوداً، وحتى الآن فإن المؤشرات تقدمية لكن مشروطة، وكان قد أنتظر اللبنانيون عودة الموفد الأميركي توم براك وكأنها لحظة مفصلية، وتحمل وضوحاً في خريطة الطريق المقبلة، لكن ما وصلهم بدا أبعد من الدبلوماسية التقليدية، كما كان قد ظهر براك عصبي المزاج، متوتراً في نبرته، وأطلق تصريحات مشبعة بالإنذارات والمواعيد الملزمة للحكومة اللبنانية، محدداً مهلة لتقديم خطة حول سلاح ” حزب الله”، وزاد من حدة المشهد أسلوبه الصدامي مع الصحافيين، إذ تعامل بفوقية أثارت موجة غضب، مما جعل زيارته محملة بقدر من الأستفزاز والتشويش أكثر مما حملت من تطمينات، وهذا المشهد المربك بين توقع اللبنانيين تسويات ونبرة براك المتشنجة يفتح الباب على تساؤلات جوهرية، ماذا لو رفض حزب الله التجاوب مع هذه المواعيد الملزمة …؟ وأية سيناريوهات تنتظر لبنان بين الضغط الإقتصادي والتصعيد الأمني أو محاولة إيجاد تسوية وسط …؟ كمحامي دولي ومراقب ومتابع للشأن اللبناني في الشكل أن المؤتمر الصحافي الذي عقده الموفد الأميركي في بعبدا مقر رئاسة الجمهورية اللبنانية قد تحول إلى ساحة مواجهة لفظية غير محسوبة، ففي لحظة إنفعال وصف براك سلوك الصحافيين اللبنانيين بأنه حيواني، محذراً من أنه سيغادر إذا إستمرت الفوضى، وهذا التعبير الخارج عن أصول اللياقة الدبلوماسية، فجّر غضباً عارماً في الوسطين الإعلامي والسياسي، وطالبت نقابة المحررين بإعتذار رسمي، كما عبرت رئاسة الجمهورية عن أسفها لما صدر عن المنبر الرسمي، واشتعلت مواقع التواصل بتعليقات أعتبرت كلام براك إهانة جماعية ووصمة إستعلاء وفوقية، وفي المضمون، فإن الهرج والمرج اللذين أعقبا المؤتمر لم يبددا مضمون الرسالة السياسية ألتى حملها براك وحسب، بل ألقيا بظلال من الشك حول قدرته على القيام بدور الوسيط المتوازن في ملف حساس جداً كملف السلاح، وكان قد طلب المبعوث الأميريكي الحكومة اللبنانية بتقديم خطة في الـ31 من أب الجاري لإقناع حزب الله بالتخلي عن السلاح، على أن تقابلها ورقة إسرائيلية متزامنة لجدولة الإنسحاب من الجنوب إذا تولى الجيش اللبناني الإنتشار وتثبيت السلطة، مقابل شبكة أمان إقتصادية وإجتماعية مكملة ومنطقة إقتصادية خاصة في الجنوب بتمويل أولي تبدي بعض الدول العربية إستعداداً له، وتخلق وظائف لبيئة الحزب وللمسلحين المسرحين ضمن برامج إعادة إدماج ومهارات، كجزء من ” الهندسة الانتقالية ” لما بعد التفكيك، كذلك أعلن السيناتور الأميركي ليندسي غراهام خلاصة الموقف الأميركي من الوضع اللبناني ــــ الإسرائيلي لا إنسحاب من جنوب لبنان قبل نزع سلاح حزب الله بالكامل، كما التزم جميع أعضاء الوفد الأميركي التشديد على دعم لبنان في تطبيق قرارات الحكومة، مما يعني أن هذه القرارات يجب أن تطبق، وإلا فلن يكون هناك أي تغيير أو مساعدات، ويبقى يقال بأن الحوافز ستحل بدلاً من الضغوط، فواشنطن تدرك أن إقناع الطائفة الشيعية بالتخلي عن السلاح يتطلب ضمانات ملموسة، وتتمثل هذه الحوافز في إعادة إعمار الجنوب، بما يشمل ترميم المنازل والبنى التحتية، وخلق وظائف جديدة توفر دخلاً ثابتاً وتحسن مستوى المعيشة، إضافة إلى تأمين الأمن والرفاه الإجتماعي، مما يوصف بأنه الأهم بالنسبة إلى الطائفة الشيعية، وإذا تشاورت الولايات المتحدة الأمريكية مع شركائها في الخليج وفرنسا ولبنان وآخرين، فيمكنها أن تخلص إلى خطة مهمة جداً تظهر أن أمن الطائفة الشيعية سيؤمن دائماً إذا نزع حزب الله سلاحه، وهذا الطرح الذي يربط بين الأمن المعيشي والأستقرار السياسي، في معادلة يراها الأميركيون قادرة على تغيير الحسابات داخل الطائفة الشيعية، فكم من المعقول أن يساوم الحزب وبيئته على السلاح مقابل النهضة الإقتصادية في لبنان …؟ يذكر الأكاديمي والمتخصص في الحركات الإسلامية الدكتور قاسم قصير في محاضرة له مؤخراً أن ” الحزب حدد موقفه أنه لا يمكن البحث في مستقبل السلاح قبل إنهاء الإحتلال الإسرائيلي والأعتداءات الإسرائيلية وإطلاق الأسرى والبدء بالإعمار “، ويقول ايضا ” أما الحديث عن منطقة إقتصادية أو إعمار أو تسليح للجيش، فهذا لن يغير الموقف، وأستبعد أن تجري مساومة السلاح بالنهضة الإقتصادية، والوعود ألتى أطلقها براك بتمويل منطقة خاصة وفرص عمل وتمويل برامج تحويل مهارات، وفتح أبواب دعم دولي وخليجي مشروطة بترسيم مسار نزع السلاح وبتعزيز دور الجيش اللبناني، وهو لمّح صراحة ايضا بتفضيل تمويل الجيش على توسيع دور يونيفيل طبعا قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان، وقد قال الأمين العام لـ حزب الله الشيخ نعيم قاسم لا حياة للبنان إذا كنتم ستقفون في المقلب الآخر، وتحاولون مواجهتنا والقضاء علينا، لا يمكن أن يبنى لبنان إلا بكل مقوماته، إما أن يبقى ونبقى معاً وإما على الدنيا السلام، لهذا يبقى من البديهي القول بأنه من دون تفاهم واضح مع إيران على تخفيف وفك التمويل والتوجيه العسكري، ستبقى كلفة التخلي عن السلاح أعلى من أية منطقة إقتصادية، مما شدد عليه براك نفسه، أي على معالجة الأثر الإقتصادي على المقاتلين المقربين من إيران، وهو إقرار بأن المشكلة أعمق من “وظائف”، كما أن التجارب المقارنة تظهر أن التسريح وإعادة الإدماج لا ينجحان بلا تزامن بين وقف النار وانسحاب ” العدو ” الإسرائيلي وعدالة إنتقالية محدودة وحوافز فردية وجماعية، وتتحدث الخطة الأميركية عن مراحل ومؤتمر إقتصادي ختامي، وهو إتجاه صحيح برأي الشخصي، لكن تحقيقها مرهون بالتنفيذ المتبادل أي خطوة مقابل خطوة، هذا ويبقى يحاول توم براك أن يقدم حوافز وبدائل وتطمينات مالية لبيئة حزب الله، ويقصد بذلك إعادة الإعمار وإنشاء منطقة إقتصادية وازدهار، لدفع بيئة الحزب إلى القول إن هناك مستقبلاً زاهراً للمنطقة والجنوب، وستكون هناك إستثمارات عربية وخليجية لتحويل الأفكار من البقاء في المنظومة العسكرية ومن العداء لإسرائيل، وهو بذلك يخرج المنطقة من دائرة أن تكون ساحة عسكرية، لتصبح ساحة إقتصادية، وهو أشار خلال حديثه أيضاً إلى إمكان الحوار مع إسرائيل، للوصول إما إلى تطبيع أو سلام أو أي شيء آخر، واعتبر أن الحديث مع إسرائيل أصبح واجباً، وكل هذه الأمور تعني أن براك يقدم إغراءات مالية وأقتصادية لبيئة الحزب للتخلي عن مشروع “حزب الله” والتخلي عن رعاية إيران، لذلك أعلن براك أن الحزب كان على مدى زمن طويل، يعيش ويتطور ويعمل بتمويل إيراني، وهو يقدم الآن البديل للتمويل الإيراني، وهو تمويل عربي، ويعتقد براك بأن للمنطقة مستقبلاً ويمكن أن يؤدي هذا إلى أزدهار وخلق فرص عمل للشباب، كل هذه الأمور لإخراج بيئة وجمهور الحزب من الهالة العسكرية للحزب، وفتح آفاق جديدة وتطلعات مزدهرة إقتصادياً ومالياً وإعمارياً، ويكون كل ذلك في الجنوب اللبناني ضمن ظروف إقتصادية ممكن أن تكون مريحة بعد إنسحاب إسرائيلي، وبعد تسليم سلاح الحزب، وهذا ما وعد به براك، وبالنسبة إلى نزع سلاح حزب الله بطريقة غير عسكرية، فستكون هناك صعوبة بالتأكيد في هذا الموضوع لأن الحزب لن يوافق على رغم كل العروضات والتطمينات الإقتصادية والإغراءات المالية لبيئته، ولا يمكن أن يوافق على أي شيء مما تقدم به توم براك لأن تسليم السلاح بالنسبة إليه غير وارد، ويستدرك سكاف قائلاً هل هذا سيؤدي إلى صدام مع الجيش اللبناني …؟ الحزب قال إنه مستعد لحرب “كربلائية”، يعني حرباً يمكن أن تصل إلى الدم، وإذا أراد الجيش اللبناني إنتزاع سلاحه بالقوة، فهو مستعد لخوض هذه المعركة حتى لو أحتاج الأمر إلى مواجهة الجيش، وإن كان بالمبدأ لا يريد الذهاب إلى هذه المواجهة، ولكن من وجهة نظره إذا أرادوا سحب سلاحه فهم يفرضون عليه المعركة، بالتالي هو مستعد لخوضها، كما أنه من المفترض أن تُحوّل الوعود إلى جداول تنفيذية معلنة، أي تواريخ ونقاط تحقق ومراقبة ثالثة محايدة وربط تمويل المنطقة الإقتصادية بصرف مرحلي مقابل إنجازات أمنية ملموسة، إضافة إلى تحصين الجيش اللبناني عبر مساعدات مضمونة وسريعة وشفافة، وتجهيز الحدود وتفويض سياسي واضح يوازي أي إنسحاب إسرائيلي مرحلي، لكن هذا بحاجة إلى مظلة إقليمية وفتح قنوات تفاهم مع طهران، حتى إن كانت غير علنية، لتخفيف كلفة الأنفصال عن السلاح، ومن غير ذلك يتحول العرض الإقتصادي إلى حافز ناقص، وكل ذلك يجب أن يترافق مع حماية مدنية ومعالجة للملفات الحساسة كالأسرى والمفقودين ومناطق التماس وعودة النازحين للقرى الحدودية وتعويضات الأضرار، وهذه ملفات ترتبط مباشرة بشرعية أي مسار داخلي، وكانت زيارة براك قد حملت سلة مترابطة، واعتمدت مهلة سياسية قصيرة وتعهداً بانسحاب إسرائيلي مقابل خطوات لبنانية قابلة للقياس، جزرة إقتصادية ممسوكة بأموال عربية وخليجية وممرات إنسانية وإقليمية قيد الطبخ، لكن الأقتصاد وحده لا ينزع سلاح حزب الله، وما قد يغيّر المعادلة هو حزمة شاملة، ضمانات أمنية مثبتة وتمكين حقيقي للجيش اللبناني وتفاهم إقليمي إيراني ولو ضمني وتسلسل تنفيذ صارم خطوة مقابل خطوة.
المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات
الكاتب من الأردن