*الجبهة العربية الفلسطينية: في اليوم العالمي لحقوق الإنسان: حين تصمت القيم وتتكلم المجازر*

شبكة الشرق الأوسط نيوز  : في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تتوجه الجبهة العربية الفلسطينية إلى العالم لا بلغة المجاملة، ولا بصيغة البروتوكول، بل بلغة الحقيقة العارية التي تنزف في شوارع غزة، وتطارد في أزقة الضفة، وتقمع في القدس، وتختنق في مخيمات اللجوء. نقولها بوضوح لا يحتمل التأويل: إن الحديث عن حقوق الإنسان في هذا اليوم، فيما يترك الشعب الفلسطيني فريسة مفتوحة للقتل والحصار والإبادة، ليس احتفالاً بالقيم، بل فضيحة أخلاقية مكتملة الأركان. فكيف يمكن للعالم أن يرفع راية الكرامة الإنسانية، فيما الكرامة تسحق يومياً تحت جنازير الاحتلال؟ وكيف تستدعى العدالة إلى المنابر، فيما تمنع من الوصول إلى الطفل الفلسطيني تحت الركام؟

إن الاحتلال الإسرائيلي لم يعد ينتهك حقوق الإنسان بوصفه قوة غاشمة فحسب، بل بات ينقض على فكرة الحقوق ذاتها، ويقوّض بنيتها من الأساس. فحق الحياة يسلب بالقصف الجماعي والإعدام الميداني، وحق الأمان يدفن تحت أنقاض البيوت، وحق السكن يباد بالجرافات، وحق الصحة يغتال باستهداف المستشفيات والطواقم الطبية، وحق التعليم يحرق بقصف المدارس والجامعات، وحق الغذاء والماء يخنق بسياسات التجويع والحصار، وحق الحرية يكسر في الزنازين والمعتقلات. نحن أمام منظومة متكاملة لتدمير الإنسان الفلسطيني كلياً، جسداً ومعنى ومستقبلاً، في واحدة من أكثر صور الاستعمار الاستيطاني توحشاً في التاريخ المعاصر.

وفي قلب هذا المشهد الدموي، تتقدم غزة بوصفها الجرح المفتوح للعالم، حيث لا تستهدف الأجساد فقط، بل تستهدف فكرة الحياة نفسها. تمحى العائلات من السجل المدني، وتباد الأحياء عن الخريطة، ويقتل الطفل، وتستهدف المرأة، ويقصف المسن لأنهم فلسطينين. في ابادة جماعية تدار بوعي كامل، وتنفذ بغطاء دولي، وتشاهد على الهواء مباشرة دون أن يتحرك ضمير العالم إلا بالحد الأدنى من الكلمات. هنا، لا يغيب القانون فقط، بل تغتال الإنسانية في مهدها.

وفي هذا اليوم، لا نتساءل عن موقع فلسطين من منظومة حقوق الإنسان، بل نتساءل عن موقع هذه المنظومة من فلسطين. أي قيم حضارية هذه التي تصمت أمام إبادة شعب كامل؟ وأيّ قانون دولي هذا الذي يشل حين يكون الجلاد محمياً بالفيتو، والمقتول مجرد رقم فلسطيني جديد في نشرات الأخبار؟ وأيّ أخلاق عالمية تلك التي تبكي ضحايا في مكان، وتبرر المجازر في مكان آخر؟ لقد سقطت الأقنعة جميعها، وانكشف زيف الخطاب الحقوقي الغربي، وتبدت ازدواجية المعايير لا كخلل عابر، بل كعقيدة سياسية تُدار بوعي كامل.

إن الجبهة العربية الفلسطينية تؤكد أن القضية الفلسطينية لم تكن يوما ملفا؟ إنسانياً طارئاً، بل هي الاختبار الأكبر لمصداقية النظام الدولي بأسره. فإما أن تنتصر هذه المنظومة لقيمها التي تتغنى بها، وإما أن تعترف بسقوطها الأخلاقي الكامل. إن الصمت على إبادة الفلسطينيين ليس حياداً، بل انحياز صريح للجلاد، والشراكة في الجريمة لا تقاس بالفعل وحده، بل بالصمت الذي يمنحه شرعية الاستمرار.

ورغم كل هذا السواد، ورغم هذا الانكشاف القاسي للعالم، فإن الشعب الفلسطيني ما زال يقف في موقع الشاهد والمقاوم في آن. لم يسقط حقه في الحياة تحت الركام، ولم تمح عدالة قضيته تحت القصف، ولم تكسر إرادته في زنازين الأسر، ولم تقايض كرامته بفتات التصريحات. إن شعبنا، وهو يستهدف بكل ما يملك، لا يزال يحمل قضيته بوصفها حقاً تاريخياً غير قابل للتصفية، ويخوض معركته بوصفها معركة وجود.

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، تعلي الجبهة العربية الفلسطينية صوتها في وجه هذا العالم:
لا معنى لحقوق الإنسان ما لم تبدأ من فلسطين، ولا قيمة لأي منظومة أخلاقية تستثنى منها دماء الفلسطينيين. فلسطين اليوم ليست اختباراً للسياسة فقط، بل امتحان للضمير الإنساني كله.

الجبهة العربية الفلسطينة
10/12/2025

قد يعجبك ايضا