الجواز اللبناني
في زيارة سريعة إلى لبنان نزولاً عند رغبة الحنين لأشجار الصنوبر، ورائحة زهر الليمون، وشوارع بيروت الأصيلة، وبهدف استصدار نسخة جديدة من الجواز «البيومتري»، الذي لا يُمكن الحصول عليه عبر السفارات اللبنانية.
لطالما كانت علاقتي بالجواز اللبناني علاقة عتب على قدر المحبّة، وربّما هذا حال أغلب الشباب اللبناني المقيم خارج الوطن، إذ إننا نشعر بالانتماء إلى الشجر والحجر والجبال والشوارع أكثر مما نشعر بالانتماء إلى لبنان كدولة، ربّما لعدم ثقتنا بالإقطاعيين وأمراء الحرب، ولجور أتباع هؤلاء على من لا ينتمي منّا لأيّ حزب أو تيّار، ومُصادرتهم للوظائف الحكومية على اختلاف مستوياتها، فالكوتا والتحزّب الطائفي أولى من الهوية ومن الشهادات الجامعية. وهذا متبوعٌ بمحسوبيات في القطاع الخاص ووساطات على مختلف الأصعدة، بدءاً من التسجيل في المدارس وأقساط الطلاب، مروراً بالتخرّج من الكليات، وصولاً إلى الطبابة والشيخوخة وعدم المساواة أمام القانون.
رغم ذلك، الجواز «البيومتري» يستحق الانتظار، إذ إنه لا يُمكن لأي لبناني أن يتخلى عن جنسيته حتى ولو أراد ذلك، ولا تسقط عنه جنسيته حتى ولو اكتسب جنسية ثانية عربية كانت أم أجنبية، فالقانون لا يسمح لنا بالتخلي عن الجواز.
المتفائل يرى في ذلك ميزة قانونية لتعزيز حسّ الانتماء، والأمل بالعودة إلى بلادنا، لا سيّما وأن لبنانيي الداخل في طور الانقراض مع ارتفاع عدد اللاجئين إلى لبنان الصديق والشقيق، بالإضافة إلى أهمية الإبقاء على هذا الرابط القانوني حرصاً على بقاء لبنان كدولة صغيرة في منطقة خطيرة.
أما «النكد» –أو المتشائم- فيرى في عدم السماح للبناني بالتخلي عن جوازه منافع لـ»حاميها حراميها»، إذ إن المواطن مصدر للواردات المالية من ضرائب ورسوم سارية المفعول (الدخل، وحصر الإرث، العقارات، وغيرها)، وبالتالي فإن ما يدخل إلى جيوب الطبقة الحاكمة من «اللبننة» أعلى بكثير مما تنفقه الدولة على شعبها.
الحبّ لا تربطه وثائق، والشعور بالانتماء لا يتطلّب معاملات.. فالحبّ كان فيّاضاً في وجوه صبايا وشباب الأمن العام اللبناني، الذين استقبلوا طلبات إصدار الجوازات الجديدة بابتسامة ساطعة، وطاقة إيجابية مفعمة بالحياة وبالسرعة في إنجاز الإجراءات..
