صعود.. وصمود

عندما كنت حاضرة الأسبوع الماضي، في الندوة التي نظمتها كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة قطر، «الاقتصاد القطري في ظل الحصار.. الصمود والصعود»، دارت في ذهني قصة سيدنا يوسف حينما أراد إخوته أن يقتلوه (فلم يمت)، ثم أرادوا أن يمحى أثره (فارتفع شأنه)، ثم بيع ليكون مملوكاً (فأصبح ملكاً)، ثم أرادوا أن يمحوا محبته من قلب أبيه (فازدادت)…! 
على ذات النهج والمنوال سارت دول الحصار، التي أرادت أن تقتل الاقتصاد القطري بحصارها الجائر، ولم تدرك أنه يمكن أن تستفيد منه، وتحقق العديد من الإنجازات، التي أبرزها إقرار تشريعات جديدة، تعزز استقطاب الاستثمارات الأجنبية، والاهتمام الأكبر بصادرات الغاز، ودعم الاستثمار في الدولة، وتقديم حوافز تشجيعية جديدة للقطاع الخاص، لدعم الصناعات المحلية وزيادة الإنتاج، فضلاً عن إعفاء مواطني (80) دولة من تأشيرة الدخول المسبقة عند وصولهم إلى قطر، «لولا الحصار لتأخرنا في اتخاذ مثل هذه الإجراءات».
توقعت دول الحصار حدوث مضاعفات سلبية على الاقتصاد القطري، تتمثل في «سحب الودائع من البنوك القطرية»، و«انخفاض قيمة العملة (الريال)»، و«تخفيض التصنيف الائتماني لدولة قطر»، لذلك تفاجأت بحكمة قطر في التعامل مع الأزمة، باعتبار أن وزارة الاقتصاد والتجارة، تحركت فور إعلان الحصار، وقامت بوضع خطة حكومية محكمة للتعامل معه، وخلال الساعات الأولى كونت ثلاث لجان، وهي «لجنة الطوارئ»، و«لجنة الرصد» و«لجنة البدائل»، وخلال (48) ساعة تم إيجاد بدائل السلع والمنتجات الواردة، من دول الحصار والتواصل مع دول أخرى، كما تم تحديد الطرق البديلة للتواصل والاستيراد، وتم تفعيل المنافذ البحرية بشكل متسارع، وخلال 72 ساعة أصبح ميناء الرويس جاهزاً لاستقبال السفن، وظل يعمل حتى تم لاحقاً افتتاح ميناء حمد قبل موعده المحدد، ويذكر أن فريق إدارة الأزمة اجتمع فوراً بالتجار، وخلال أسبوع تم استيراد جميع السلع والمنتجات، وبالتالي فشلت جميع مخططات دول الحصار. 
وفي اعتقادي أن الإجراءات المبكرة، التي اتخذتها الحكومة قبل الحصار بشأن توفير مخزون كافٍ من المواد الغذائية والمواد الأولية، حال دون حدوث أي تأثير بعد وقوع الحصار، ومكن الحكومة من الاستمرار بشكل طبيعي، كما أن الجهود الإضافية للصناعات المحلية الصغيرة والمتوسطة، ساهمت بشكل فاعل في سد الفجوة، علاوة على زيادة وتيرة الإنتاج بكافة المصانع المحلية، الأمر الذي يؤكد قدرة الاقتصاد القطري على الصمود مهما طال الحصار، خصوصاً أن رجال الأعمال القطريين والشركات القطرية، أصبحت لديها الآن علاقات عمل، مع شركات موردة من مختلف دول العالم، وأن تدفق السلع التي يحتاجها السوق القطري سوف يستمر دون أية عقبات تأكيداً للصعود والصمود. 

وبحسب الأرقام تحتل قطر المرتبة الأولى عربياً في مؤشر التنافسية، والمرتبة (13) عالمياً، والمرتبة الثانية عربياً، و(12) عالمياً في مؤشر حرية الاقتصاد، والأولى عربياً في مكافحة الفساد، والأولى على مستوى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر السلام، والـ (30) عالمياً من بين 163 دولة، والأولى عالمياً في الادخار الوطني، والأولى عربياً في التنمية البشرية، وغيرها من الأرقام تؤكد قدرتها على الصمود مهما تطاول الحصار، علماً بأن الدخل السنوي للفرد فيها هو الأعلى عالمياً، حيث يصل إلى (129) ألف دولار.

قد يعجبك ايضا