التوقعات السنوية لمركز ‘‘ستراتفور‘‘ : الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2018
تشكل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مفترق طرق العالم. وهي تشمل شبه الجزيرة العربية، وجبال إيران، وسهول تركيا، وصحارى بلاد الشام، والأراضي الواقعة شمال الصحراء الأفريقية، وجميع السواحل بينها. وقصة المنطقة، كما هو الحال في كثير من الأحيان في الأماكن العالقة بين لاعبين أجانب، هي قصة تجارة وتبادل وصراع. القوى التقليدية في المنطقة هي تركيا وإيران -بينما المملكة العربية السعودية ومصر هما القوتان العربيتان الأبرز حالياً- ويجعل تنافس هذه القوى من أجل النفوذ على الدول الضعيفة في المنطقة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ساحة للعنف وعدم الاستقرار الدائمين.
* * *
أبرز التوقعات لهذا العام:
• سوف تتطلع إيران كثيراً إلى دعم روسيا وأوروبا، بينما تتحالف الولايات المتحدة والسعودية وإسرائيل لتقويضها.
سوف تدخل الولايات المتحدة العام الجديد عازمة على كبح جماح إيران. ويتقاسم البيت الأبيض، والكونغرس والبنتاغون تصميماً قوياً على تقويض شبكة النفوذ الهائلة التي بنتها إيران عبر الشرق الأوسط من خلال صلاتها بمجموعة من الجماعات السياسية والميليشيات. وسيعمل وصول كوريا الشمالية المرجح إلى قدرة الردع النووي في العام 2018 على تقوية عزم واشنطن على وقف طهران عن السير في المسار الخطير نفسه.
بينما يتصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وايران، سوف تكون خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي الإيراني) معلقة على خيط رفيع، ولو أنها يمكن أن تبقى على قيد الحياة هذا العام. ويهدف هذا الاتفاق إلى وقف برنامج تطوير الأسلحة النووية في إيران، وقد امتثلت ايران لشروط الاتفاق حسب معظم التقديرات، بما فيها تقديرات الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وطالما بقيت إيران في حالة امتثال، فإنها ستستفيد من تخفيف العقوبات، وكذلك من القدرة على استقبال الاستثمارات الأجنبية وتصدير النفط.
مع اكتساب روسيا وإيران أرضية في سورية، فقدت السعودية والولايات المتحدة تلك الأرض. ولكن واشنطن والرياض ستبحثان، على الرغم من تراجع نفوذهما على جماعات الثوار المنقسمة في البلاد، عن سبل للاستفادة من الحرب الأهلية المنهكة لتقويض طهران.
ربما تكون وجهة المد في الحرب الأهلية السورية قد تحولت لصالح إيران، ولكن السعودية قد تتمتع بحظ أفضل في ساحات قتال أخرى -فيزيائية وسياسية على حد سواء- في أنحاء المنطقة. وعلى أمل الاستفادة من العداء الأميركي المتجدد تجاه إيران، ستحاول المملكة مواجهة النفوذ المتنامي لمنافستها منذ وقت طويل في جيرانها من الدول الأضعف، مثل اليمن والعراق ولبنان.
في هذه الأثناء، سوف تعمل السعودية على إثارة المتاعب لإيران في ميادين القتال السياسية، بينما تعمل على تقويض الأحزاب والساسة المدعومين من إيران في العراق ولبنان. وسوف يعقد العراق انتخابات عامة في أيار (مايو) المقبل، وهو ما سيمنح البلاد لحظة نادرة لتأكيد استقلالها عن القوى الأجنبية المتورطة داخل حدودها. وسوف يدافع رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، عن سلالة ناشئة من القومية التي تدعو إلى مقاومة النفوذ الخارجي (بما في ذلك الولايات المتحدة وإيران وتركيا)، في حين سيتبنى الزعيم الشيعي العراقي، مقتدى الصدر، الخطاب نفسه على أمل تحويله إلى مكاسب انتخابية.
بينما تتصارع المملكة العربية السعودية مع منافسيها في الخارج، سوف يتعين عليها أن تتصارع أيضاً مع الإصلاحات الصعبة في الداخل. وعلى الرغم من أن جميع دول مجلس التعاون الخليجي سوف تضطر إلى إجراء إصلاحات صعبة في العام المقبل، فإن الإصلاحات السعودية هي الأكبر والأكثر طموحاً. وفي قلب التغييرات السياسية المحلية الجارية، سيكون ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، الذي سيستخدم سلطته الجديدة للدفع بأجندته الجسورة. وسوف يسعى الزعيم الشاب إلى الوفاء بوعوده بالإصلاح الاقتصادي الجريء، بهدف تعزيز الإيرادات غير النفطية من خلال الضرائب وأرباح الاستثمار، وتحفيز نمو القطاع الخاص، وتأميم القوى العاملة في المملكة.
سوف تنظر الحكومة المصرية عن كثب إلى الرأي العام المحلي في العام المقبل. وسوف تجري البلاد انتخابات رئاسية فى أيار (مايو) المقبل. وسوف يتولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة التصويت بعناية، مما يترك للمصريين خيارات قليلة فيما يخص اختياراتهم الفعلية. ولكن الأهم من ذلك سيكون عدد العاملين في فعاليات الحملة، ونشاط وسائل التواصل الاجتماعي، وإقبال الناخبين على الاقتراع -وسوف يكشف كل ذلك عن بعض تفاصيل آراء الناخبين في الاستراتيجيات الاقتصادية والأمنية في مصر. وسوف يتم توجيه أي سخط شعبي من الحكومة في القاهرة ليبرز من خلال مرشحي المعارضة، مثل المحامي خالد علي. وسوف يوجه تخفيض الدعم الذي وافق عليه صندوق النقد الدولي، والمقرر إنفاذه في العام 2018، ضربة قوية للمواطنين من الطبقتين الدنيا والوسطى، لكن القاهرة ستحاول التخفيف من حدة التداعيات السياسية في الداخل من خلال تقديم المساعدات النقدية.
ربما يكون تنظيم “الدولة الإسلامية” قد مني بهزيمة ساحقة في العراق وسورية، ولكن الحرب ضد الجماعات المتطرفة في العالم لم تنته بعد. وسوف يحاول تنظيم القاعدة استغلال انهيار ما تسمى “الخلافة” التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية، من أجل تلميع سمعته كزعيم للحركة الجهادية العالمية، ونشر رؤيته “للصراع الطويل”. وسوف تهدف جهود التجنيد التي تبذلها المجموعة في العام 2018 إلى جذب أتباع “داعش” الحاليين والمحتملين.
*مؤسسة التنبؤات الاستراتيجية، Strategic Forecasting, Inc؛ والمعروفة أكثر باسم “ستراتفور” STRATFOR، هي مركز دراسات استراتيجي وأمني أميركي، يعد إحدى أهم المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، وهو يعلن على الملأ طبيعة عمله التجسسي، ويجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية. تطلق عليه الصحافة الأميركية اسم “وكالة المخابرات المركزية في الظل” أو الوجه المخصخص للسي آي إيه، The Private CIA. ومعظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأميركية.
