هزات في اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن

 

يقوم البيان الدراماتيكي للملك عبد الله الثاني عن القرار بعدم تجديد التسوية الخاصة بشأن الأراضي في تسوفر ونهرايم التي يفلحها الإسرائيليون، على أساس المادة 6 في كل واحد من الملحقين 1 ب و1 ج لاتفاق السلام بين إسرائيل والأردن، والذي وقع في 26 تشرين الأول 1994. وتنص المادة على:
«دون الإجحاف بحقوق الملكية الخاصة للأرض في المنطقة، يبقى هذا الملحق ساري المفعول 25 سنة، ويجدد تلقائيًا لفترات مشابهة، إلا إذا صدر بلاغ مبكر قبل سنة من انتهاء مفعوله من أحد الطرفين، وفي مثل هذه الحالة، بناء على طلب كل واحد من الطرفين، يطبق بالتشاور».
قبل سنة من التجديد التلقائي للملحق، أعلن الملك الأردني بأنه لن يجدد التسوية، وسيبسط بشكل كامل السيادة الأردنية على هذه الأراضي. يتشابه الملحقان باتفاق السلام ويعنيان بأراض في منطقة الباقورة ـ نهرايم في الشمال، وفي منطقة الغمر/تسوفر في الجنوب، نحو 800 ونحو 2000 دونم على التوالي، اتفق عليها في «نظام خاص». فالواقع المركب في هاتين المنطقتين هو الذي أملى التسوية الخاصة: سيادة أردنية، ملكية إسرائيلية على الأرض أو فلاحة الأرض من مزارعين إسرائيليين، وحق استخدام للأرض، منحه الأردن لإسرائيل لفترات متجددة من 25 سنة لكل واحدة منهما.

اتفاق السلام

وقع اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن في تشرين الأول/أكتوبر 1994، والعلاقات السرية بين الدولتين تواصلت منذ الخمسينيات من القرن الماضي، بل ووصلت في 1987 إلى اتفاق مبادئ غير رسمي في لقاء الملك حسين مع الوزير شمعون بيرس في لندن. وتناول الاتفاق المسيرة وليس المسائل الجوهرية: عقد مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة للبحث في حل النزاع الإسرائيلي العربي والقضية الفلسطينية، على أساس قرار مجلس الأمن 242 وتشكيل لجان مشتركة، واحدة منها للمفاوضات بين إسرائيل وممثلية أردنية فلسطينية. ولكن هذا الاتفاق عطله الطرفان، بداية في إسرائيل، في المجلس الوزاري برئاسة رئيس الوزراء إسحق شامير، وبعد اندلاع الانتفاضة في كانون الأول 1987، من قبل الملك حسين، الذي انسحب من كل تدخل ومطالبة بسيادة أردنية في المناطق الفلسطينية.
ووصل إلى مؤتمر مدريد في 1991 وفد أردني فلسطيني مشترك. أما توقيع إسرائيل و«م.ت.ف» على إعلان مبادئ أوسلو في أيلول/سبتمبر 1993، فقد سمح بالاستئناف السري للمحادثات بين إسرائيل والأردن، وبعد سنة من ذلك وقع اتفاق السلام في احتفال في معبر العربا، وتضمن هذا الاتفاق تعديلات طفيفة للحدود، بمن فيها التعليمات الخاصة بشأن الأراضي الزراعية في نهرايم وفي تسوفر. كما تضمن الاتفاق مادة تمنح المملكة الهاشمية دورًا خاصًا في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، كما قرر بأن «عند إجراء المفاوضات على المكانة الدائمة، تمنح إسرائيل أولوية عالية للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن المقدسة».

على تل أبيب أن تركز في المفاوضات والاستعداد لإنهاء استعمال الأراضي المؤجرة

تؤمن الأسرة المالكة في عمان بأنه إذا لم تكن تسوية دائمة إسرائيلية ـ فلسطينية بشكل عام، وفي البلدة القديمة من القدس بشكل خاص، فإن الأمور ستصل إلى اشتعال إقليمي وتهديد حقيقي على الأردن. ولهذا فقد كان الأردنيون شركاء نشطاء في المفترقات الأساسية في المسيرة السلمية الإسرائيلية ـ الفلسطينية، وملكا الأردن ـ الحسين، وبعد وفاته ابنه عبد الله ـ حضرا احتفالات التوقيع على الاتفاقات بين إسرائيل وم.ت.ف بما في ذلك الثامن والأخير الذي وقع حتى الآن مذكرة شرم الشيخ في أيلول/سبتمبر 1999.
لقد نجا اتفاق السلام بين إسرائيل والأردن اليوم في بداية السنة الـ 25، من أزمات قاسية في أثناء هذه الفترة، ابتداء من قتل الجندي الأردني لسبع فتيات في نهرايم في 1997، ومحاولة الاغتيال الفاشلة لمسؤول حماس الكبير خالد مشعل على الأرض الأردنية، في السنة ذاتها، عبر انتفاضة الأقصى في سنوات 2000 ـ 2005، والاضطرابات والعنف في الحرم في 2014 و2017، وانتهاء بمقتل مواطنين أردنيين على يد حارس من السفارة في عمان العام الماضي. وعلى مدى فترات طويلة، لم يكن هناك سفير أردني في إسرائيل.

تفاهمات متبادلة

إلى جانب الأزمات ولحظات الهبوط السياسي، ففي السنوات التي انقضت منذ التوقيع على اتفاق السلام، فقد وقعت ونفذت عدة تفاهمات متبادلة في مجالات مختلفة من الاقتصاد، وجودة البيئة، والتجارة، والصحة العامة، والعلم، والثقافة والزراعة، وثمة اتفاقات أخرى في موضوع الغاز الطبيعي والماء والسياحة في حجوم كبيرة، وقعت في العقد الأخير.
مشروع العلم الإقليمي، وقناة البحرين، التي استهدفت إنقاذ البحر الميت لتوفير المياه المحلاة للمنطقة لإنتاج الطاقة الهيدروكهربائية وتطوير فروع الزراعة والسياحة، لا يتقدم كما خطط له من جانب إسرائيل. فالأردن، من جهته، أعلن بأنه يواصل على نحو مستقل المشروع، واتهم إسرائيل بأنها تقوض التعاون الإقليمي. أما رواق السلام في أريحا، المشروع الأردني ـ الفلسطيني ـ الإسرائيلي، فقد جاء لإقامة «بنية تحتية اقتصادية للسلام الإقليمي» ويفترض أن يكون عنصرًا مركزيًا في تطوير الصناعة الفلسطينية في الضفة الغربية. واتفق على مشروع «بوابة الأردن»، المنطقة الصناعية المشتركة الإسرائيلية ـ الأردنية في منطقة غور الينابيع، والقائم على أساس مبدأ التجارة الحرة بين الدولتين والولايات المتحدة، اتفق في 1998، ولكن في صيف 2018 فقط انتهى بناء الجسر في الجانب الإسرائيلي، وقريبًا ستبدأ أعمال التطوير في الموقع.
في مجال الأمن، تواصل الدولتان التعاون الكامل في الحدود الهادئة بينهما. صفقات سلاح وعتاد عسكري وشرطي تتم بدعم الولايات المتحدة ومساعدتها وبعيدًا عن عين الجمهور، والجيشان يقيمان اتصالامنتظمًا من التدريبات والتأهيلات.
ولكن الأردن يرى في الجمود السياسي الإسرائيلي ـ الفلسطيني، وفي استمرار سيطرة إسرائيل في الضفة الغربية، تهديدًا استراتيجيًا حقيقيًا. وطالما خلد الوضع القائم ولا توجد أي خطوة نحو إقامة دولة فلسطينية، يخشى الأردنيون من طرد الفلسطينيين إلى الأراضي الأردنية. وكان الأمير حسن، شقيق الملك حسين، وصف هذا في حينه «بالعدوان الديمغرافي».
يعيش الأردن في وضع اجتماعي ـ اقتصادي متضعضع ومتوتر. وينبع الوضع ضمن أمور أخرى من العبء المتراكم الهائل الذي يفرضه عليه من ناحية اقتصادية، ومن ناحية البنى التحتية، سياسيًا واجتماعيًا مليون ونيف (هناك من يقدر بأنه مليون ونصف، والأمم المتحدة تذكر رقم 760.360) لاجئ فر معظمهم اليه من سوريا، وبعضهم من العراق واليمن. إضافة إلى ذلك، تقلص الدعم المالي من دول الخليج في السنوات الأخيرة، وفي عام 2017 وصلت معدلات البطالة إلى ذروة 25 سنة، نحو 18 في المئة من عموم السكان. نحو ربع عموم خريجي الجامعات عاطلون عن العمل. يشعر الناس بالركود في الأردن كل يوم، وأسعار المواد الأساسية ترتفع، وكذا الارتفاع الهائل في ضريبة الدخل وضريبة الشركات. وفي أيار الماضي اعتبرت صحيفة «الاكونومست» عمان المدينة الأغلى في الدول العربية وفي المرتبة الـ 28 من دول العالم.
منذ نحو نصف سنة، يتعاظم في الأردن الاحتجاج ضد الأسرة المالكة عقب الضائقة الاقتصادية. وقد تعاظم الاحتجاج واتسع في شهر حزيران إلى المدن الكبرى أيضًا. وقد بات، بخلاف معظم أحداث الماضي بالوجوه العلنية من المتظاهرين. في إطار ذلك بات واضحًا تآكل في ردع قوات الأمن. ردًا على ذلك، أقال الملك عبد الله في شهر حزيران رئيس الوزراء هاني الملقي وعين بدلاً منه الاقتصادي ووزير التعليم د. عمر الرزاز، على أمل إحداث تغيير في المزاج العام.

قلق داخلي في الأردن

إن الفرضية السائدة هي أن هدف التظاهرات سياسي، ويدعي الكثيرون بأنها منسقة من محافل المعارضة السياسية في المملكة. وهذا توجيه لإصبع الاتهام تجاه إسرائيل، سواء بالنسبة لسلوكها تجاه الأردن أم بالنسبة لسياستها تجاه الفلسطينيين. وهو يأتي أيضًا من دوائر الحكم والمؤسسة الرسمية. كما أن مبادرة ترامب وإن لم تكن قد وضعت على جدول الأعمال وتفاصيلها ليست معروفة، تعد في نظر الحكم في الأردن (كبار المسؤولين وعلى رأسهم الملك) تهديدًا كامنًا على أمن المملكة ومعارضتها جارفة ويشارك فيها أيضًا الشارع الأردني ووسائل الاعلام.
من هنا فالطريق قصير إلى التركيز على كرامة الأردن وصلاحياته في موضوع الحدود مع إسرائيل. فالمتظاهرون في عمان طالبوا بأن يستعيد الأردن الأراضي في الجيبين. ونشر مروان المعشر، السفير الأردني السابق في إسرائيل وفي الولايات المتحدة، وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الأردني، في شهر آب في صحيفة «الغد» مقالاشديدًا ضد مبادرة ترامب، ودعا الأردن إلى اتخاذ سلسلة من الخطوات بما فيها «تبني قرار من الحكومة والبرلمان في الأردن بعدم تجديد اتفاق التأجير لأراضي الباقورة (نهرايم). لا توجد جهة في الأسرة الدولية يمكنها أن تدعي بأن في هذا خرقًا لاتفاق السلام، الذي يمنح الأردن كامل الحق في عدم تجديد هذا الاتفاق».
مع تعاظم التظاهرات التي لم تكن على خلفية اقتصادية فقط، تعاظم الضغط الجماهيري على الملك عبد الله لإلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل بشكل عام، في ظل التركيز على مواد اتفاق السلام المتعلقة بالأراضي التي تستخدمها إسرائيل بشكل خاص. 87 من أصل 130 من أعضاء البرلمان الأردني وقعوا على عريضة لإلغاء النظام الخاص في هذه الأراضي واستعادة الأردن لسيادته الكاملة عليها.
كان يمكن لهذه الأزمة، أغلب الظن، أن تمنع قبل الأوان من خلال سياسة حكيمة تستشرف المستقبل من جانب إسرائيل ومنع مفاجأة سياسية محرجة وخطيرة على مستقبل المزارعين الإسرائيليين. من اللحظة التي نشبت فيها الأزمة، ينبغي الأمل ألا تشكل نقطة انعطاف سلبية في العلاقات بين الدولتين. وقد أثبتت إسرائيل والأردن في الماضي أن بوسعهما أن تتغلبا على أحداث قاسية ومركبة وأن تحلا الخلافات بينهما. فالمصالح المتبادلة العميقة بين الدولتين كثيرة.. في الاقتصاد، وفي الأمن الداخلي، وتوريد المياه والزراعة، وبالطبع في الأمن الإقليمي.
يتضمن اتفاق السلام نفسه آلية للتشاور المتبادل. وينبغي البدء في هذه على الفور، سنة البلاغ المبكر، وعدم القعود مرة أخرى دون فعل. إذ إن الطرفين معنيان بوجود اتفاق السلام بينهما، وبالتالي ليس هناك أي منطق أو معنى لتهديدات وزراء في حكومة إسرائيل لمعاقبة الأردن على الخطوة التي اتخذها. هذه أقوال عديمة المسؤولية.
لا يمكن التوقع بأن يتراجع الملك عن الإعلان، وبالتالي على إسرائيل أن تركز في المفاوضات وفي الاستعداد لإنهاء استعمال هذه الأراضي من قبل الإسرائيليين، على تمديد الفترة الانتقالية، وعلى إيجاد حلول بديلة للمزارعين الإسرائيليين، وعلى معدل التعويضات التي ستدفع لإسرائيل. هذا خلل خطير يجب معالجته في ظل حوار معتدل وتجاهل لاعتبارات سياسية داخلية، والأهم من كل هذا بعيدًا عن الأضواء.

جلعاد شير ومور بن خليفة
نظرة عليا 30/10/2018

قد يعجبك ايضا