القدس مقسمة إلى أربعة أقسام

 

من المعقول الافتراض أننا ربما حتى الغد لن نستطيع معرفة من سيكون رئيس بلدية القدس القادم. سلسلة ظروف سياسية مع تطلعات شخصية لمرشحين وحاخامات قادت العاصمة إلى وضع فيه عشية الانتخابات ما زال هناك أربعة مرشحين، لكل واحد منهم سيناريو معقول للفرص: عوفر باركوفيتش، موشيه ليئون، زئيف الكين ويوسي دايتش. مع ذلك، فالأربعة غير متساوين في احتمالية الفوز، وستكون مفاجأة كبيرة إذا كان باركوفيتش الذي أدار حملة انتخابية لا يوجد فيها أخطاء، ونجح في وضع نفسه كمرشح مستقل ومحلي يمثل الجمهور غير الحريدي، ولن يصل إلى الجولة الثانية. وسيكون من المفاجئ أيضًا إذا نجح في الجولة الأولى في الحصول على 40 في المئة من الأصوات المطلوبة لفوزه.
المرشح الثاني الذي يعتبر صاحب الاحتمالات الأكبر للوصول إلى الجولة الثانية هو موشيه ليئون الذي يحظى على الورق بدعم الحزبين المتدينين ديغل هتوراة وشاس. وزئيف الكين الذي خابت آماله في معركة الانتخابات هذه ما زال يأمل في الوصول إلى الجولة الثانية بفضل دعم الجمهور المتدين ـ الوطني واليميني. دايتش يعتمد على عشرات آلاف أصوات الحريديين وعلى التصويت الاحتجاجي لمصوتي شاس وديغل هتوراة الذين سيفضلون مرشحًا حريديًا على ليئون، وسيجعلونه يصل إلى الجولة الثانية. كل واحد منهم يفترض افتراضات أساسية ويجري حسابات رياضية، وتعتبر في نظر الثلاثة الآخرين مرفوضة.
سبب ذلك هو أن كل واحد منهم يستطيع أن يلعب مع افتراضات أساسية.. التفكك الكامل للمعسكر السياسي الحريدي. في نهاية المطاف عندما سيزول الغبار سيكون ذلك، كما يبدو، ما نتذكره من هذه الحملة الانتخابية. السنونو التي بشرت بالانقسام الكبير هي نجاح رئيس البلدية الحالي نير بركات في أن يحول لصالحه بضعة آلاف من أصوات الحريديين قبل خمس سنوات. عندها نجح مستشاروه الحريديون في أن ينقلوا لصالحه حريدية غور الكبرى. كذلك القسم المقدسي (الذي في 2013 كان حركة جديدة قامت للتو) حولت دعمها لبركات مقابل نائب الرئيس المضمون مسبقًا.
التفكك هذه المرة كان كاملاً، وفعليًا كل واحد من المرشحين الأربعة يحظى بتأييد حريدي ما: ديغل هتوراة وشاس إلى جانب ليئون، واغودات يسرائيل الحسيدية تؤيد دايتش، والقسم المقدسي يؤيد الكين، و«الحريديون الجدد» أو «الحريديون العاملون» يتوقع أن يدعموا بنسبة غير قليلة باركوفيتش. هذا الانقسام هو دراما ستؤثر على طول سياسة إسرائيل وعرضها، والقدس من هذه الناحية هي حاملة البشارة.

مسار من العقبات

ولكن القدس تحمل بشرى أخرى. أيًا كان الفائز هذه الليلة أو بعد أسبوعين، سيصل إلى هناك عبر طريق ملتوية ومليئة بالعقبات والأخطار. على الأقل خطط مرشحان، وهما الكين وليئون، هذه الحملة تمامًا بشكل مختلف، وفوجئا بالأسوأ على طول الطريق. الخطط التي وفقًا لها كان يمكنهما احتلال القدس بواسطة سلسلة اتفاقات مع الحاخامات ومقاولي الأصوات أو بفضل تأييد رئيس الحكومة، تلاشت. اعتقد الكين أن مجرد دخوله إلى السباق من على طاولة الكابنت، بتأييد نتنياهو وهالة وزير كبير، تكفي في نظر الناخب المقدسي، ولكنه فوجئ من اكتشاف أن الجمهور لا يتأثر بهالة الوزير الكبير، وهو يفضل التحدث معه عن نظافة الشوارع والمواصلات العامة.
ليئون اعتقد أن الاتفاقات المفاجئة التي توصل إليها مع حاخامات ديغل هتوراة في بني براك (خلافًا لرأي الحاخامات في القدس)، وشاس، عشية يوم الغفران، ستكون كافية. هو لم يتوقع أن دايتش وحاخاماته سيواصلون السباق حتى بثمن انقسام المعسكر الحريدي. حتى لو فاز الكين أو ليئون في نهاية المطاف، فهذا سيحدث بعد حملة طويلة بطرق ملتوية، بعيدًا جدًا عما تخيلوه في بداية الطريق. بهذا المعنى يمكن للناخبين المقدسيين التفاخر بأنهم جعلوا منتخبيهم يتصببون عرقًا من أجلهم.

ذلك العالم

سيفتتح ليئون يومه بزيارة إلى قبر الحاخام يوسف شالوم اليشيف وقبر الحاخام عوفاديا يوسف، والآباء الروحانيين للأحزاب التي تؤيده. الحاخامان المتوفيان يمثلان في نظر ليئون عالم الأمس إلى جانب أنهم مصوتو اليوم، والأكثر بساطة كان يمكن فيه عقد صفقة واحدة مع حاخام واحد. العالم، وأكثر منه القدس، زاد تعقيدًا منذ ذلك الحين.
تشير معظم الاستطلاعات إلى أن جولة انتخابات أخرى ستجري بعد أسبوعين بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى نسبة من الأصوات في المدينة. هذا أمر لن يحدث في القدس. لجولة الانتخابات الثانية قوانينها الخاصة. يبدو أن باركوفيتش هو «الأندر دوغ» في الجولة الثانية ضد كل مرشح لن يكون، لأن الآخرين سيستفيدون من معسكر حريدي موحد. ولكن هل حقًا سيكون بالإمكان محو آثار الدم الفاسد بين أجزاء المعسكر الحريدي خلال يوم؟ أليس من المحتمل أن المرشح الذي سيكون مقابل باركوفيتش سيواجه لامبالاة أو حتى تمردًا مكشوفًا داخل المعسكر الذي يتوقع أن يؤيده؟

انقسام المعسكر الحريدي سيؤثر على السياسة الإسرائيلية تجاه المدينة

ولكن سيكون لباركوفيتش تحد آخر؛ فالجمهور غير الحريدي في المدينة يصوت بصورة تقليدية بنسبة منخفضة أكثر من الحريديين. حقيقة أن هذا تصويت ثان خلال أسبوعين وبدون يوم عطلة، وستفتح الصناديق الساعة الواحدة ظهرًا، وستقتضي منه ومن رجاله جهودًا كبيرة من أجل إخراج الناخبين إلى صناديق الاقتراع.
كيفما انتهت جولة الانتخابات فإن اثنين سيكونان راضيين في نهايتها حتى لو لم يحصلا على كرسي الرئاسة. الأول هو باركوفيتش، السياسي المحلي (38 سنة) الذي أسس مع ميراف كوهين قبل عشر سنوات حركة شباب وطلاب صغيرة باسم «النهضة»، وغدًا ستكون حتمًا هي الحزب الأكبر في مجلس البلدية. لذلك، حتى لو خسر في انتخابات رئاسة البلدية (وفي سيناريو ما، ومحبب على رجال حملته الانتخابية، فهو يستطيع الفوز في الجولة الأولى)، فإنه يعتبر نفسه سياسيًا مقدسيًا رائدًا ومرشحًا قويًا للانتخابات القادمة. الثاني هو دايتش، الذي تعد احتمالاته بالفوز من قبل غير عالية، ولكن يبدو أنه يتمتع بكل لحظة في الحملة. هو أحب اللقاء مع جمهور كبير خارج مجتمعه الطبيعي، وفرح من مفاجأة سامعيه الذين تفاجأوا من أن هناك شخصًا متسامحًا وسياسيًا يصغي للآخرين يختفي خلف اللحية والمعطف الطويل. لقد قاد حزبه وحسيديي القدس إلى التحرر من الشراكة الليطائية الحسيدية، ومن المتوقع أن يكون عاملامهمًا في كل ائتلاف مستقبلي ومرشح في الانتخابات القادمة. وعلى صيغة مقولة ألبرت آينشتاين حول مستقبل الحروب العالمية: ليس لدي فكرة من سيكون رئيس البلدية بعد أسبوعين، ولكن في عام 2023 سيكون هو باركوفيتش أو دايتش.
الحملة الانتخابية في القدس 2018 هي الأم التي تلد حدثًا تاريخيًا آخر. للمرة الأولى منذ عام 1967 وصل متنافس فلسطيني حقيقي إلى يوم الانتخابات. رمضان دبش صمد أمام ضغوط في الأشهر الأخيرة، التي لا يعرفها أي سياسي إسرائيلي. لقد حرص على عدم ترك أي وثائق في سيارته حتى لا تحترق في حالة أن شخص ما قرر إحراقها. لقد تم تهديده وعزله، وتعرض للإدانات من كل صوب. أصدقاؤه في القائمة تنكروا له، ومن يعملون في حملته تلقوا الضربات والإهانات. ورغم كل ذلك، وصل إلى يوم الانتخابات على قدميه.
من الصعب جدًا تقدير احتمالاته، ومن الواضح أن هناك الكثير من شباب شرق القدس كانوا سيسعدون من التصويت له لولا أنهم خافوا من الإدانة الاجتماعية. من الواضح أيضًا أن الكثيرين كانوا يفضلون مرشحًا آخر أكثر وطنية، معارضًا شديدًا للوضع الراهن للاحتلال. ولكن في تاريخ القدس الطويل سيتم أخيرًا ذكر دبش كمن كسر السقف الزجاجي وأصبح العضو الفلسطيني الأول في مجلس البلدية منذ عام 1967، ومن بعده سيأتي آخرون. وبعد عقد أو عقدين ستتحول القدس إلى مدينة موحدة حقًا برئاسة رئيس بلدية فلسطيني.

نير حسون
هآرتس 30/10/2018

قد يعجبك ايضا