«لفني» كل شيء… إلا السلام!

 

الأم تريزا للسلام ذهبت. سقط التاج عن رأسها. «دفعت ثمن السلام»، هذا ما كتب أول أمس في مقال أسرة التحرير في «هآرتس»، مثلما كتب بعد قتل اسحق رابين. «الآمال التي قمت بإشعالها ستنتصر على اليأس»، هكذا تباكى إيهود باراك خصمها. وحتى آفي غباي الذي قام بشنقها، حزن على هذه الخسارة. هناك كلمات جيدة لتقال عن تسيبي لفني، لكن إسهامها في السلام ليس فيها. لا لأنها لم تسهم بأي شيء، بل هي سببت للسلام ضرراً مصيرياً. لفني كرهت السلام وأعطته اسماً سيئاً. سلامها كان سلام عنصري ووطني ومتطرف وبارد ومثير للاشمئزاز.
لم تكن تنوي التوصل إلى السلام، فقط أرادت «تسوية». التسوية التي طمحت إليها كانت تقوم على أمر واحد وهو دولة يهودية. دولة يهودية وديمقراطية، كأفضلية أولى. عندما يكون هذا الدافع وهذه هي اللغة لا يمكن صنع السلام. يمكن فقط جعله مكروهاً. الدعوة للسلام من خلال الاشمئزاز من الشعب الآخر، والرغبة في التخلص منه ـ «المشكلة الديمغرافية» ـ لا يمكن أن تؤدي إلى السلام معه. عندما يكون الحلم هو «الطلاق بين القنافذ»، كما عبرت عنه، فليس هناك أي طريقة لبث حياة جديدة وأمل. وبدون روح جديدة، بدون فصل جديد في العلاقات لا يوجد سلام.
التسوية التي طمحت إليها ولدت من خلال كرهها للفلسطينيين. ومثل كل اليسار الصهيوني، أرادت أن يختفوا عن أنظارها. فصل، هم هناك ونحن هنا. أي سلام لا يصنع بهذه الطريقة. نلسون مانديلا لم يتحدث هكذا عن البيض في جنوب إفريقيا. ومناحيم بيغن لم يتحدث هكذا عن المصريين، بل أظهر الاحترام لهم. لفني تظهر القرف من الفلسطينيين، مثل جميع الإسرائيليين تقريباً. حتى الحرب العالمية الثانية انتهت بكلمات تبعث على الأمل أكثر من التي تصنع السلام الإسرائيلي التي يستندون إليها الآن.
جنون الأنظمة في إسرائيل، التي يمكن تسميتها يساراً، كانت لفني وما زالت تمثل يميناً وطنياً متطرفاً جداً. أرادت دولة قومية نقية واشترطت كل تسوية باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، الأمر الذي لم يطلب من مصر والأردن. لقد تحدثت عن الفلسطينيين بغطرسة إسرائيلية ـ لم تعتبرهم في أي يوم متساوي الحقوق في هذه البلاد، وحتى ليس بعد مئات الساعات من التفاوض معهم.
«يجب على الفلسطينيين أن يفهموا»، أكثرت من وعظهم في اللقاءات معها وكأنها كانت معلمتهم. لكنه لم يكن في أي يوم عليها أن تفهم الطرف الآخر. لم تحسب له أي حساب. لفني لم يكن عليها أن تفهم بأن بلادهم سرقت منهم في 1948، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف للحظة سياسة السلب، والإهانة، والعنف، والاحتلال. حتى الأمن تعتبره شأناً يخص اليهود فقط. لفني لم تفهم في أي يوم أن إسرائيل تتحمل ذنباً أخلاقياً كبيراً، وأنه بدون تحمل المسؤولية عن جرائمها وبدون التكفير عنها لن يكون هناك أي سلام، حتى ليس بعد ألف جولة من المفاوضات. أرادت دولة يهودية فقط. وبالنسبة لها ليختنق الفلسطينيين.
جرائم الاحتلال لم تكن تهمها في أي يوم، لقد كانت شريكة فيها. ذروة جرائمها كانت في عملية «الرصاص المصبوب»، حيث كانت وزيرة الخارجية، مسؤولة العلاقات العامة العنيفة الإسرائيلية منفلتة العقال. حتى معاناة الفلسطينيين والظلم الذي وقع عليهم لم تهمها. فقط أعطوها دولة يهودية وكل شيء سيكون على ما يرام. وفي صالحها يقال إنها من بين القلائل الذين فهموا أن هناك مشكلة ولم يتجاهلوها. وهي أيضاً حاولت التوصل إلى حل لها.
أن تكون آخر من يبحثون عن الحلول ضمن جوقة القمع والإنكار، هذا أمر غير بسيط. لذلك، أثنيت عليها في كل مرة. لكنها تحولت إلى ملكة العملية. أعطوها مفاوضات حتى لو لم تؤد إلى أي مكان، وحتى مفاوضات غير قادرة على الوصول إلى أي مكان. المفاوضات كانت بالنسبة لها هدفاً. مفاوضات عديمة الجدوى. هي كانت مع حل الدولتين، مع القدس الموحدة ومع أغلبية المستوطنات وبدون حق العودة حتى للاجئ واحد، حسب تعبير من تفاخرت بأنها «أكثر المتطرفين في موضوع اللاجئين». مقاتلة من أجل السلام، أي نكتة هذه؟

جدعون ليفي
هآرتس 21/2/2019

قد يعجبك ايضا