إسرائيل والاعتراف بهويتها اليهودية.. بين رفض الرئيس عباس وقبول النائب عباس
وهج 24 : في محاولة لمواجهة الانتقادات الواسعة ضد تصريحاته حول يهودية إسرائيل، قال رئيس “القائمة الموحدة” النائب في الكنيست منصور عباس في حديث لـ”راديو الناس” الذي يبث من مدينة الناصرة، إنه لم يبد موقفا، بل وصف حالة عندما تحدث عن إسرائيل كدولة يهودية. كما قال إن قراءة المشهد لا تعني بالضرورة تبني الموقف، وأن خط قائمته هو تعزيز المكانة السياسية للمجتمع العربي في إسرائيل كمجتمع فلسطيني وكمواطنين فيها.
وتابع: “لا أعمل من أجل شهادة حسن سلوك، بل أعمل من أجل مصالح مجتمعي، والحركة الإسلامية ليست حركة الرجل الواحد، وهي تعيش انتخابات، وهي حركة حية وتعددية وهناك اختلافات سياسية بين قياداتها” وحمل على بقية الأحزاب العربية، قائلا إن معادلتها صفرية وتعمل وفق معادلة خاطئة “إما كل شيء أو لا شيء، ونحن لسنا هكذا لأننا واقعيون”.
وتعيد تصريحات عباس إلى الأذهاب مسألة تعريف “الدولة اليهودية” ومطالبة الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر الاعتراف بها بهذه الصفة. كان قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 1947 قد نص على تقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية. ومنذ النكبة وقيام إسرائيل، حرصت الأخيرة على تعريف نفسها كدولة يهودية ديموقراطية، وهو تعريف طالما رفضه المواطنون العرب الفلسطينيون في إسرائيل، وشددوا على وجود تناقض بنيوي جوهري بين التوصيفين “يهودية” و”ديموقراطية” معتبرين التسليم بهذا التعريف إقرارا بكونها دولة يهودية تكرس استعلائية المواطن اليهودي على المواطن العربي فيها. ومع ازدياد عدد النواب العرب المندوبين عن الأحزاب العربية الوطنية في برلمان إسرائيل (الكنيست) والتزامهم بموقف وطني، توالت الدعوات منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي لتشريع قانون يلزم كل من يرغب بالمشاركة في انتخابات الكنيست، الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية.
وأشار النائب السابق عن الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، يوسف تيسير جبارين إلى تاريخية طرح نص “يهودية الدولة” حينما ظهر هذا في قانون في الكنيست عام 1985، بهدف عرقلة دخول الكتل العربية إلى الكنيست. وأوضح جبارين لـ”القدس العربي” أن عضو الكنيست الراحل توفيق طوبي، رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة في حينه، تصدى للقانون، وقال إن “هذا القانون يأخذ إسرائيل إلى دولة الأبرتهايد، إننا نريدها دولة لجميع مواطنيها العرب واليهود متساوي الحقوق”. ولاحقا في 2002 تم تعديل القانون ليصبح أكثر صرامة بحيث يحظر تسجيل أي حزب كان في أفعاله وأهدافه بالتصريح والتلميح ينفي وجود إسرائيل كدولة يهودية ديموقراطية.
تسيبي ليفني
وكانت أوساط إسرائيلية أبرزها وزيرة خارجية الاحتلال السابقة تسيبي ليفني، أول من طرحت من جديد موضوع الهوية اليهودية للدولة والتشديد عليها، بل حاولت رهن تقدّم المفاوضات مع السلطة الفلسطينية باعتراف الأخيرة بإسرائيل دولة يهودية. يشار إلى أن إسرائيل كانت قد طرحت شرطها بأن يعترف الفلسطينيون بأنها “دولة الشعب اليهودي” عشية مؤتمر أنابوليس في خريف 2007 وذلك خلال محادثات أمريكية إسرائيلية سابقة، وفي مؤتمر قمة في شرم الشيخ عام 2005 أكد رئيس حكومة الاحتلال الراحل أريئيل شارون ذلك، وكان موقف السلطة الفلسطينية على لسان رئيسها أبو مازن ليس رافضا بشكل قاطع.
ولاحقا، رفضت إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الشرط الإسرائيلي، بعدما قبلت التحفظ الفلسطيني على ذلك، وإبقاء الموضوع للمفاوضات إلى جانب قضايا الحل الدائم الأخرى وبينها القدس واللاجئون. لكنها أكدت على الهوية اليهودية لإسرائيل في ضماناتها لها في مذكرات الرئيس بوش منذ 2001.
وأضافت الوزيرة ليفني في تصريحاتها عشية أنابوليس عام 2007، إن طلب إقامة دولة مستقلة للفلسطينيين هو طلب يمكن أن ينفذ وينتهي عندما يتم إقامة الدولة المستقلة التي تكون الحل القومي لجميع الفلسطينيين، مشددة على أنه ليس حلاً للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، إنما هو حل للفلسطينيين في مخيمات اللاجئين وكل الفلسطينيين الذي يعيشون معنا كمواطنين متساوي الحقوق والذين سيكون الحل القومي لهم في الدولة الفلسطينية، وهي بذلك تقصد الفلسطينيين الذين يعيشون داخل ما يُسمى بالخط الأخضر.
ومضت ليفني تقول إن كل الذين يؤيدون فكرة الدولة الفلسطينية لا يستطيعون الإمساك بالعصا من جانبيها من جهة العمل ضد دولة إسرائيل يهودية ، يعملون من الداخل، وفي المقابل يعملون لإقامة دولة للشعب الفلسطيني. وخلصت إلى القول إن “الحل القومي للشعبين هو إقامة دولة لكل شعب على انفراد في أرض منفصلة”.
وعشية انعقاد مؤتمر أنابوليس أيضا بدأت تتصاعد دعوات في إسرائيل تحت حكومة إيهود أولمرت لمطالبة السلطة الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. وبعدما صعد بنيامين نتنياهو لسدة الحكم مجددا عام 2009، اشترط استئناف المفاوضات بهذا الاعتراف الفلسطيني بإسرائيل بصفتها دولة الشعب اليهودي، واتهمته حتى أوساط إسرائيلية أيضا بأنه يستخدم هذا المطلب الهوياتي ذريعة للتهرب من مساعي تسوية الصراع.
تعريف عنصري
على خلفية ذلك، توافقت كافة الفعاليات الوطنية والإسلامية داخل أراضي 48 بما في ذلك القائمة العربية الموحدة على رفض تعريف إسرائيل باعتبارها دولة يهودية، وأعلنوا أنهم سبق وطالبوا السلطة الفلسطينية عدة مرات بتأكيد معارضتها هذا التعريف، ورفض المطلب أو الشرط الإسرائيلي.
النائب السابق عن القائمة العربية الموحدة في الكنيست الإسرائيلي إبراهيم صرصور انضم لزميله النائب السابق مسعود غنايم، ووجّه انتقادات غير مباشرة لزميله في الحزب والحركة الإسلامية الشق الجنوبي منصور عباس، بقوله: “لا نشك في نوايا الدكتور منصور عباس لكنه فشل في التعبير عن ثوابت الحركة الإسلامية التي تعتبر تعريف إسرائيل عنصريا حتى النخاع”. وهذا ليس موقفا جديدا، فقد سبق وأوضح إبراهيم صرصور أن قبول إسرائيل دولة يهودية، يعني إقفال الباب نهائيا أمام حق اللاجئين في العودة، مشيرا إلى أن ذلك مرفوض أخلاقيا وسياسيا. كما لفت إلى أن الاعتراف المذكور يعني تكريس حالة التنكر للحقيقة بأن فلسطينيي الداخل البالغ عددهم اليوم أكثر من 1.5 مليون نسمة هم أقلية قومية والأصحاب الشرعيون والأصليون للبلاد.
وعشية انعقاد مؤتمر أنابوليس عام 2007، كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد احتج على مطالبة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية، وقال بما معناه إن هذا شأن إسرائيلي ولا يعنيه، وإن منظمة التحرير تبادلت الاعتراف مع إسرائيل في اتفاق أوسلو عام 1993، وإذا كانت تريد تغيير تعريفها واسمها فلتذهب للأمم المتحدة كي تفعل ذلك، وعندها نتعامل معها بموجب القرار الأممي، وإنه بمقدورها أن تعرف نفسها الدولة الصهيونية العظمى. وتبعه في ذلك الوزير الأسبق ياسر عبد ربه، الذي تحدث بروح مشابهة.
في تلك الفترة كان عبد ربه قال في تصريحات لصحيفة “هآرتس” الإسرائيلية، إن الجانب الفلسطيني لا يوجد لديه مانع أيضا من الاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، وإنما يجب على الإدارة الأمريكية أن تقدم لنا خارطة واضحة بحدود دولة إسرائيل لنعترف بها. وأضاف: “مقابل هذا الاعتراف يجب الاعتراف بالدولة الفلسطينية التي ستقام على كامل الأراضي التي احتلت عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وفي هذه الحالة عندئذ لا يوجد لدينا مانع من الاعتراف بإسرائيل بالشكل الذي تراه هي مناسبا”.
لكن مصدرا مطلعا قال وقتها، إن رئيس الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، وعضو الكنيست آنذاك النائب السابق محمد بركة، أكد للرئيس عباس أن اعتبار تعريف إسرائيل نفسها دولة يهودية ليس “شأنا إسرائيليا داخليا ” بفعل تبعات وانعكاسات هذا التعريف على المواطنين العرب الفلسطينيين في إسرائيل، مثلما يغلق باب عودة اللاجئين.
يهودية الدولة خنجر
وفي تصريحات متتالية، ورغم تسريبات إسرائيلية بأنه مستعد للاعتراف بالهوية اليهودية لإسرائيل، كرّر الرئيس عباس أنه يرفض الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.
وقال وقتها النائب محمد بركة، إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكد له هو وبعض زملائه رفضه القاطع عدة مرات لما يسمى يهودية دولة إسرائيل. كما نوه بركة في تصريحات متتالية في السنوات الأخيرة، إلى أن الاعتراف بيهودية الدولة يعني الحكم بالإعدام على المواطنة المتساوية للعرب في إسرائيل، بل يعرضهم لمخاطر الترحيل علاوة على التنازل عن ثابت فلسطيني هو حق العودة.
ومن وقتها كرر بركة مقولة إن “يهودية الدولة” خنجر موجه لصدورنا ووجودنا، فهذه ليست قضية قانونية أو حقوقية، بل هي قضية وجودية بالنسبة لكل الفلسطينيين في البلاد خاصة، والشعب الفلسطيني عامة، والسؤال الذي يجب أن يسأل، كيف أصبحت إسرائيل “دولة يهودية”؟ والجواب، أنها طردت شعب هذه البلاد من وطنه، واستقدمت أبناء الديانة اليهودية من الخارج على أسس صهيونية، فهل يُطلب منا نحن الشعب الضحية أن نقر ونعترف بمصطلح كهذا؟
كذلك وعلى خلفية قلق ساور فلسطينيي الداخل من ترداد فكرة التبادل في إسرائيل، دأب الرئيس عباس على تأكيد رفضه للتبادل السكاني في إطار الحل الدائم، وأبلغ قادة من فلسطينيي الداخل أنه سيتمسك بهذا الموقف حتى لو توقفت المفاوضات.
المصدر : القدس العربي