*فادي السمردلي يكتب:وعد الرجال وشرف الكلمة بين الأمس واليوم*
*بقلم فادي زواد السمردلي* …..
*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
في زمن ليس ببعيد، كانت الكلمة سيفا، والوعد عقدًا لا يُكسر، بل يُحمَل كأمانة على الكتف حتى يُوفى أو يُدفن صاحبه دونه وعد الرجال لم يكن أمرًا يُؤخذ باستخفاف، بل كان عنوانًا للصدق، للثبات، ولرجولةٍ لا تكتمل دون وفاء ومن قال “أعدك”، كان كمن وقّع دمه على التزام لا يجرؤ على خيانته، لأن خيانة الوعد كانت خيانة للذات أولًا، ثم لمن وُعد ثانيًا فالرجل إذا وعد، أصبح في مرمى العيون، تُراقبه الألسن والضمائر، فإن وفى ارتفع، وإن أخلف سقط سقوطًا لا تنهض بعده ثقة وكانت الكلمة تساوي عُمرًا، وكان من يخنث بها يُطعن في رجولته، وتُسحب هيبته من المجالس، ولا يُشار إليه إلا كمن فقد شيئًا من مروءته لا يُسترجع.
لكن اليوم، تغيّرت المفاهيم، أو بالأصح انقلبت فلم تعد الكلمة ميزان الرجولة، بل أصبحت مجرد صوت يخرج من فم يمكن أن ينقضه صاحبه في اليوم التالي دون أدنى شعور وصارت الوعود تُقال لتهدئة اللحظة، لا لحمل المسؤولية، وكأن الناس باتوا يستخدمونها كمسكّنات مؤقتة للهرب من المواجهة وعد الرجل، الذي كان يومًا يوازي القسم، أصبح الآن فقرة إنشائية في محادثة جوفاء، يُقال ثم يُنكر، يُعطى ثم يُسحب، دون حرج، دون ندم، دون أثر. حتى الكاذب في وعده لم يعد يشعر بحاجة إلى التبرير، لأنه بات يعرف أن المجتمع نفسه قد بدأ يطبع هذا السلوك، ويبرره ويمنحه أسماءً ناعمة “تغيرت الظروف”، “اضطريت”، “ما قدرت”… وكأننا فقدنا القدرة على أن نقول: “أنا أخلفت وعدي”، ونتحمل تبعات ذلك بصدق.
هل يعقل أن يكون التطور الزائف قد سلبنا أعمدة القيم؟ هل أصبح الرجل يُقاس اليوم بمدى قدرته على المناورة لا الوفاء؟ أم أن زمن الرجولة التي تحفظ الكلمة قد ولّى، وأصبحنا نعيش في عصر الوجوه المتلونة، والقلوب الفارغة، والمبادئ القابلة للمساومة؟ الحق أن القيم لا تموت، لكنها تُغتال ببطىء، على يد من لا يقدّر معناها، ومن يفرّط فيها وهو يظن نفسه ذكيًا أو واقعيًا فالوفاء بالوعد ليس رفاهية، بل هو ركيزة أساسية تبني بها المجتمعات الثقة، والعلاقات الاحترام، والنفوس الاتزان وحين يصبح النكث بالأمانة سلوكًا عاديًا، فإننا لا نخسر فقط رجولة الرجال، بل نخسر صدق الحياة نفسها.
فلينظر كل من يعد ثم ينكث في المرآة قليلًا، ليسأل نفسه: من أنا إن لم أكن وفيًّا بكلمتي؟ الجواب صعب، لكنه ضروري، لأن الرجولة لا تُقاس بكثرة الكلام، بل بثبات الموقف حين يصبح الوعد اختبارًا.