*فادي السمردلي يكتب:جمود السياسات الحزبية طريق سريع إلى الفشل السياسي(٣٦/٢٨)*

*بقلم فادي زواد السمردلي*  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*
*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/٢٨)”*

ماذا يعني جمود السياسات الحزبية؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

عدم تحديث السياسات الحزبية يُعد من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تدهور دور الحزب وفقدانه لقدرته على التأثير في مجريات الأحداث السياسية، الاجتماعية والاقتصادية ففي عالم يشهد تطوراً سريعاً ومستمراً على مختلف الأصعدة، فإن الجمود الحزبي وعدم القدرة على التكيف مع المتغيرات يُعتبر خطراً حقيقياً على استمرارية الحزب ودوره في الحياة السياسية فالأحزاب التي تتوقف عن تطوير سياساتها وبرامجها تتخلف عن مجاراة تطورات المجتمع، مما يؤدي إلى انقطاع العلاقة بينها وبين القاعدة الشعبية، وبالتالي خسارة الثقة الشعبية التي هي جوهر أي حزب سياسي.

التمسك بالبرامج القديمة وعدم التجديد والتحديث يعد من أخطر العوامل التي تؤدي إلى انعزال الحزب عن حاجات وتطلعات المجتمع فالسياسة التي كانت فعّالة في فترة معينة، قد تصبح غير صالحة في ظل تغير الظروف الاقتصادية والاجتماعية. على سبيل المثال، سياسات اقتصادية تعتمد على أساليب قديمة مثل التركيز على الصناعات الثقيلة أو القطاع العام في مواجهة عصر الثورة الرقمية وظهور الاقتصاد المعرفي، تصبح غير قادرة على مواجهة التحديات الراهنة فالأحزاب التي ترفض تحديث برامجها في هذه السياقات تجد نفسها عالقة في الماضي ولا تستطيع تقديم حلول للأزمات التي يواجهها المجتمع اليوم كما أن التمسك بالبرامج القديمة يعكس عدم استعداد الحزب لمواكبة المتغيرات السياسية التي تطرأ في كل فترة زمنية، مثل التغيرات في النظام الدولي أو التحولات في مواقف الجمهور تجاه قضايا معينة.

غياب خطط تنموية متطورة يُعد أيضاً من الجوانب الرئيسية التي تكشف عن عجز الحزب عن مواكبة التطورات بينما تسعى العديد من الأحزاب إلى تحديث سياساتها وبرامجها بما يتماشى مع احتياجات المجتمع، نجد أن بعض الأحزاب لا تولي أهمية كافية لوضع استراتيجيات تنموية مرنة وقابلة للتطبيق في واقع متغير وفي ظل العولمة وظهور تحديات بيئية واقتصادية جديدة، مثل أزمة التغير المناخي، والفجوات الاقتصادية المتزايدة بين الفئات الاجتماعية، يصبح من الضروري أن تعتمد الأحزاب على سياسات تنموية مبتكرة لمواجهة هذه التحديات. أما إذا استمر الحزب في استخدام نفس السياسات القديمة دون مراعاة للتحديات الجديدة، فإنه سيخسر مكانته في مواجهة أحزاب أخرى أكثر تقدماً ومرونة في تقديم الحلول.

الأحزاب التي لا تتبنى استراتيجيات تنموية تواكب التطورات الدولية والمحلية، تصبح عاجزة عن تقديم حلول للمشاكل الاجتماعية المستجدة مثل الفقر، البطالة، وتدهور البيئة وفي العديد من الدول، يُعتبر هذا التقاعس عن وضع استراتيجيات تنموية جديدة نوعاً من التقاعس السياسي الذي يدفع الناس إلى اللجوء إلى قوى سياسية أخرى تبحث عن بدائل قادرة على معالجة قضاياهم الملحة.

عدم الاستثمار في البحث والتطوير السياسي يمثل أيضاً أحد الأبعاد الأساسية التي تؤثر سلباً على تحديث السياسات الحزبية فالأحزاب التي لا تستثمر في فهم التغيرات التي تطرأ على المجتمع أو التي تفتقر إلى الدراسات المتعمقة التي تدرس احتياجات الناس، تصبح عاجزة عن تقديم حلول موجهة وفعالة فقد تكون هناك فجوة كبيرة بين ما يعتقده قادة الحزب وبين ما يحتاجه المواطنون، مما يؤدي إلى سياسة غير فعّالة تعكس رغبات نخبوية بعيدة عن الواقع الشعبي. على سبيل المثال، عندما لا تُجري الأحزاب دراسات تتعلق بتحليل الاتجاهات الاقتصادية أو الاجتماعية الجديدة مثل تأثير الذكاء الاصطناعي على سوق العمل، أو تأثير التغيرات الديموغرافية على استهلاك الطاقة، تصبح غير قادرة على تصميم سياسات تواكب هذه التغيرات وهذا النقص في البحث السياسي يجعل الحزب يظهر وكأنه لا يفهم أو لا يهتم بحياة المواطن اليومية، مما يعزز شعور المواطنين بالعزلة عن السياسة.

إن غياب هذه الدراسات والبحوث يجعل الحزب في عزلة عن نبض الشارع وتحدياته، ويضعه في موضع أقل قدرة على الاستجابة لأزمات اللحظة وفي هذا السياق، إذا لم تستطع الأحزاب السياسية أن تستفيد من مراكز البحث، أو الخبرات الأكاديمية، أو تتفاعل مع الأوساط الاجتماعية والاقتصادية بشكل مستمر، فإنها تصبح عرضة للفشل في التفاعل مع المشكلات العميقة التي يعاني منها المواطنون.

النتائج المترتبة على عدم تحديث السياسات الحزبية هي متعددة وخطيرة. على رأس هذه النتائج، تراجع شعبية الحزب بشكل ملحوظ. عندما يُحس المواطنون أن الحزب لا يقدم حلولاً حقيقية للتحديات الراهنة أو لا يواكب تطلعاتهم، فإنهم يتجهون للبحث عن بدائل ويزداد هذا التراجع إذا ما كانت هناك أحزاب جديدة تظهر على الساحة السياسية وتتبنى أفكاراً حديثة، وتبتكر حلولاً تتناسب مع تطلعات الأجيال الشابة.
تتعرض هذه الأحزاب القديمة للخسارة في الانتخابات أو الاستفتاءات العامة، ويبدأ التأثير السياسي لها في التراجع بشكل تدريجي.

عدم قدرة الحزب على منافسة الأحزاب الجديدة هو أحد النتائج المباشرة لانعدام التحديث في السياسات ففي ظل الثورات الرقمية والتحولات الاجتماعية السريعة، نجد أن الأحزاب السياسية الجديدة عادة ما تكون أكثر انفتاحاً على التغيير، ومرونة في تبني سياسات جديدة فهذه الأحزاب تستفيد من التجارب الحديثة وتقنيات التواصل الحديثة التي تمكنها من الوصول إلى جماهير أوسع وأكثر تنوعاً مقابل ذلك، تبقى الأحزاب التقليدية متخلفة عن الركب، عالقة في قوالب قديمة، ونتيجة لذلك، تفقد القدرة على جذب القواعد الشعبية الجديدة، خاصة الشباب الذين يبحثون عن طروحات أكثر حداثة.

انفصال الحزب عن الواقع السياسي والاجتماعي هو أحد أعمق وأخطر الآثار المترتبة على غياب تحديث السياسات فعندما تفشل الأحزاب في استيعاب ما يحدث في المجتمع من تغييرات أو تطورات سياسية، فإنها تتعرض لانفصال تام عن الشارع، وتصبح غير قادرة على التعاطي مع القضايا التي تهم الناس وهذا الانفصال يؤدي إلى غياب الثقة في الحزب ويضعف من دوره كفاعل سياسي رئيسي في بناء الوطن أو التأثير على القرارات السياسية ونتيجة لهذا، تضعف فاعلية الحزب في اتخاذ القرارات السياسية الهامة،مما ينعكس سلباً على استقرار الدولة ورغبة المواطنين في المشاركة السياسية.

وفي النهاية، يمكن القول إن تحديث السياسات الحزبية ليس مجرد خيار استراتيجي، بل ضرورة حتمية للحفاظ على مكانة الحزب في الساحة السياسية فإذا لم تتبنَّ الأحزاب سياسات مرنة ومتطورة تُواكب التغيرات المتسارعة في المجتمع، فإنها ستواجه مستقبلاً مظلماً من العزلة السياسية والفشل الانتخابي.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا