*فادي السمردلي يكتب: الأحزاب التي تفرّط بالمبادئ لأجل المناصب مصيرها الفشل (٣٦/٣٦)*

بقلم فادي زواد السمردلي  ….

 

*#اسمع_وافهم_الوطني_افعال_لا_اقوال*

*”مقالات دورية تُنشر كل أحد وثلاثاء وخميس، تتناول أسباب تُفشل الأحزاب.(٣٦/٣٦)”*

ماذا يعني حين تفرط الاحزاب بالمبادئ لاجل المناصب ؟
☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️☝️

التركيز على المناصب بدلاً من المبادئ هو ظاهرة مدمرة للأحزاب السياسية وللمجتمع على حد سواء فعندما تضع الأحزاب مصالحها الذاتية أو الحزبية الضيقة فوق التزاماتها الأخلاقية والوطنية ، فإنها تنزلق سريعًا إلى حالة من الجمود الفكري والتراجع الأخلاقي فتصبح السلطة غاية في ذاتها، لا وسيلة لخدمة الناس، ويتحول الحزب إلى أداة للنفوذ، لا منصة للتغيير وفي مثل هذا السياق، تتضاءل أهمية البرامج السياسية، ويتم تجاهل تطلعات الشعب لصالح حسابات آنية وصراعات داخلية على المواقع.

من أخطر ما ينتج عن هذه الحالة، هو تفكك الأحزاب من الداخل. فعندما يغيب المشروع المشترك وتطغى المصالح الشخصية، تبدأ الانقسامات وتعلو الأصوات المتصارعة داخل الحزب الواحد فيصبح الكرسي هو الهدف، لا المبادئ، ويُنظر إلى رفاق النضال كخصوم محتملين في معركة التموقع وهذا التنافس الداخلي لا يؤدي فقط إلى إضعاف وحدة الحزب، بل ينعكس أيضًا على أدائه السياسي العام، فيعجز عن اتخاذ قرارات جماعية فاعلة، وتصبح مواقفه مهزوزة ومتأرجحة بين الاعتبارات الشخصية لا القيم العامة.

في هذا المناخ، تفقد الأحزاب قدرتها على تقديم أفكار جديدة، وتستسلم لتكرار نفس السياسات والشعارات القديمة التي أثبتت فشلها سابقًا.فبدلًا من تطوير حلول مبتكرة لقضايا البطالة والفقر والتعليم والصحة، تنشغل بقياس موازين القوة بين أجنحتها فتذوب الرؤية السياسية أمام تكتيكات ظرفية، ويُختزل العمل السياسي إلى سباق انتخابي محموم على المقاعد والمناصب، دون التفكير الجاد في ما يجب فعله بعد الفوز.

ولا يمكن الحديث عن هذه الظاهرة دون التوقف عند أسبابها الجذرية فغياب الديمقراطية الداخلية، وضعف آليات المحاسبة، وافتقار الحزب إلى مشروع وطني واضح، كلها عوامل تؤدي إلى خلق بيئة يُكافئ فيها الولاء الشخصي بدل الكفاءة وفي ظل هذه الثقافة، تصبح المناصب هدفًا فرديًا، لا مسؤولية عامة، ويدخل الحزب في دوامة من التناحر المستمر على الزعامة والنفوذ.

وربما الأخطر من ذلك، هو دخول المال السياسي على الخط، وتحول بعض المواقع الحزبية إلى بوابات للثراء أو المصالح وحين يرتبط الموقع بمكاسب مالية أو فرص استثمارية، يصبح الطريق إليه مليئًا بالمساومات والمزايدات، لا بالكفاءة والعمل وبذلك، تتحول الأحزاب إلى مؤسسات شبه تجارية، تنشط في بناء التحالفات المصلحية على حساب القيم والأفكار.

ويُسهم الإعلام، سواء الحزبي أو العام، في ترسيخ هذا السلوك عبر تضخيم بعض الأشخاص وتحويلهم إلى رموز سياسية لمجرد امتلاكهم القدرة على الظهور، وليس لأنهم يملكون مشروعًا حقيقيًا وهذا الخطاب يسهم في ترسيخ ثقافة الزعامة الفردية، ويقضي على روح العمل الجماعي، مما يؤدي إلى احتكار القيادة من قبل وجوه معينة، واستبعاد أي تجديد حقيقي.

من ضحايا هذا المناخ المختل، هم الشباب والكفاءات. فبدلًا من أن تكون الأحزاب حضنًا لتأهيل الجيل الجديد وتمكينه من المشاركة الفاعلة، تتحول إلى نوادٍ مغلقة لا مكان فيها إلا لأصحاب الولاءات أو العلاقات فيشعر الشاب الطموح أنه لا يُسمع، وأن أفكاره مصيرها الإقصاء، فينسحب من المشهد السياسي، أو يبحث عن فضاءات أخرى خارج العمل الحزبي. وبذلك، تخسر الأحزاب عمقها التجديدي، وتشيخ من الداخل.

ولا يقتصر أثر هذه الظاهرة على بنية الأحزاب فقط، بل يمتد إلى المشهد السياسي العام فحين تتأسس التحالفات السياسية على المصالح لا البرامج، فإنها تكون هشة وعرضة للانهيار عند أول خلاف فهذه التحالفات لا تبني استقرارًا ولا تصنع حلولًا، بل تُهدر الوقت في صراعات عبثية، تزيد من الاستقطاب السياسي وتُضعف الثقة بالعملية الديمقراطية.

ومع مرور الوقت، يبدأ المواطن بفقدان ثقته في الأحزاب، ويشعر بأن العملية السياسية لا تعنيه، وأن أصوات الناخبين لا تصنع فارقًا وحين تصبح الانتخابات مجرد سباق بين أطراف متشابهة في الخطاب والانتهازية، فإن المشاركة السياسية تتراجع، ويتزايد العزوف الشعبي عن صناديق الاقتراع وهكذا، تتآكل شرعية المنظومة السياسية، ويضعف وعي الناس بدورهم كمواطنين فاعلين.

ولا تسلم حتى البلديات والمجالس المحلية من هذا المنطق، حيث يتكرر نفس المشهد مواقع تُوزع بناءً على الولاءات الحزبية، لا الكفاءة والخبرة وبدلًا من أن تكون المجالس المحلية منصات تنموية لخدمة الناس، تتحول إلى ساحة صراع على النفوذ، فتعجز عن تقديم حلول حقيقية للمواطن.

إن مواجهة هذه الظاهرة تتطلب أكثر من مجرد التذمر منها فالإصلاح يبدأ من الداخل، عبر تطوير آليات العمل الحزبي، وتعزيز الشفافية، وضمان تداول القيادة بشكل حقيقي فلا بد من تمكين الشباب والكفاءات من المشاركة، وتقديم الدعم الحقيقي للمبادرات ذات القيمة، وربط الوصول إلى المناصب بمعايير مهنية لا علاقات شخصية وعلى الأحزاب أن تعيد صياغة برامجها، ليس لتتناسب مع المزاج العام، بل لتكون أدوات عملية لحل مشاكل واقعية.

في النهاية، فإن نجاح الحزب لا يُقاس بعدد المقاعد التي يربحها، بل بقدرته على التأثير في الواقع، وتقديم مشاريع حقيقية تلامس حياة الناس والحزب الذي لا يملك رؤية، ولا يحترم مبادئه، ولا يستثمر في شبابه، لن يصنع فرقًا مهما بلغ مناصب. فالوطن لا يُبنى بالمناورات، بل بالمواقف الصادقة، والعمل الجاد، والإيمان الحقيقي بالتغيير.

الكاتب من الأردن

قد يعجبك ايضا