قراءة تحليلية في إحاطة المبعوث الأممي الخاص هانس غروندبرغ إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة

بقلم / طوفان الجنيد  ….

مقدمة
الجمعةُ الجمعةُ والخطبةُ الخطبةُ

من خلال قراءتي للإحاطة التي قدّمها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ خلال شهر أغسطس 2025، نجد أنها لا تختلف عن الإحاطات السابقة؛ توضيح الواضح، ولم تأتِ بجديد، ولم تكن موفّقة في إحاطتها. فقد خلت من كل معاني الإنسانية والحياد والإنصاف، والتحرك الجاد بفاعلية لإنجاز بعض الحلول ولو مبدئيًا في جميع الملفات. وكل ما ورد في الإحاطة عبارة عن شرح للأوضاع السائدة والمعروفة لدى الجميع. ويا ليت لو كانت تفصيلية ومنصفة بحيث تشير إشارة واضحة إلى الأسباب والمسببات التي أحدثت مثل هذا الوضع، وتحميل المسؤولية للطرف المسبب والمعرقل لجهود عملية السلام بمصداقية تامة.

فمثلًا:

في الملف الأمني ووقف إطلاق النار، أحاط بقوله:
“سيدي الرئيس، لا تزال الاضطرابات الإقليمية تقوّض فرص إحلال السلام والاستقرار في اليمن، في ظل وضع بالغ الهشاشة. وهناك حاجة ملحّة إلى اتخاذ تدابير استباقية وبراغماتية، تمهّد الطريق للسلام في اليمن. ويجب أن نواصل جهودنا المشتركة لدفع اليمن نحو مستقبل ينعم فيه بالسلام داخليًا وفي المنطقة.”

في الشهر الماضي، عندما قدّمت إحاطتي لهذا المجلس، حدّدت ثلاث أولويات لإرساء أسس حلول دائمة في اليمن. أولها دعم خفض التصعيد على خطوط المواجهة، والعمل مع الأطراف على أسس وقف إطلاق النار. ورغم أن خطوط المواجهة اتسمت في أغلب الأحيان بمستويات مستقرة من الأعمال العدائية، شهدنا في 25 يوليو/تموز هجومًا كبيرًا على جبهة العلب في محافظة صعدة، أسفر عن أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من الجانبين. (لم يشِر إلى الطرف الذي خرق الهدنة وبدأ الهجوم). وتابع قائلًا: “كما نشهد قيام أنصار الله بتعزيز مواقعهم، بما في ذلك حول مدينة الحديدة. هذه التطورات مثيرة للقلق”، وتبرز الحاجة إلى تهدئة فعّالة وحوار أمني بين الأطراف.
لاحظتُ أنه عندما تعرّض لتعزيز المواقع من قبل أنصار الله انتابه القلق المعتاد، وعند خرق الهدنة في محور علب ونسي باقي الجبهات، لم يقلق ولم يتطرق إليها.

وقال:
“في الأسبوع الماضي، اختتم مكتبي جولة جديدة من الاجتماعات مع الحكومة اليمنية والجهات الفاعلة في المجال الأمني الإقليمي، تحت رعاية لجنة التنسيق العسكري التي تيسّرها الأمم المتحدة. ويُعدّ عمل لجنة التنسيق العسكري بالغ الأهمية لخفض التصعيد على خطوط المواجهة، وللتحضير لتنفيذ وإدارة وقف إطلاق نار مستقبلي.”
لم يحدد أي لجنة تنسيق؛ هل قصد لجنة المراقبة على اتفاق استكهولم أم ماذا؟ وعلى مدار الأسبوع ناقشت الأطراف دور لجنة التنسيق العسكري في خفض التصعيد على خطوط المواجهة التي شهدت تجددًا للأعمال العدائية خلال العام الماضي. كما تناولت التحديات في المجال البحري، واستعرضت الخيارات المتاحة في حال العودة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار.

تتمثل الأولوية الثانية في اقتراحات وتنظيرات وتخمينات كأنه يرأس وفد تقصي حقائق، في إرساء مسار للمحادثات بين الأطراف بما يتماشى مع الالتزامات التي تم التعهد بها تجاه خارطة الطريق في ديسمبر/كانون الأول 2023. ولعدم فقدان البوصلة تجاه هذه الالتزامات، لاحظت أنه لم يشِر إلى الطرف المعرقل لمسار خارطة الطريق.

ومن ضمن التوصيات التي أورَدها:
الاستمرار في اتخاذ تدابير تبني الثقة وتحسّن الحياة اليومية، ولم يذكر ماهي هذه التدابير. وقال:
“نشهد زخمًا إيجابيًا ومتناميًا لتحسين الوصول إلى الطرق في عدد من مناطق البلاد، ولا سيما الطريق الذي يربط بين محافظتي البيضاء وأبين. وأود أن أشيد بالمساهمات القيّمة التي قدّمتها منظمات المجتمع المدني في دفع تلك الجهود، وأعرب عن دعمي الكامل لهذه المبادرات. أشجع الأطراف على التعجيل بفتح طرق حيوية إضافية، واتخاذ مزيد من الخطوات لتسهيل حركة الأشخاص والأنشطة التجارية. ويظل مكتبي على أتم الاستعداد لدعم الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف.”

الملف السياسي والاقتصادي
قال السيد الرئيس:
“يمكن للأطراف أيضًا إحراز تقدم نحو محادثات سياسية أوسع نطاقًا من خلال إيجاد حلول وتسويات تمكّن الاقتصاد اليمني من العمل بفعالية لتوفير السلع والخدمات للجميع. وفي مناقشات حديثة مع مسؤولين حكوميين وممثلين عن قطاع الأعمال والمجتمع المدني في عدن، واصل مكتبي الدفع باتجاه حوار لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلات الاقتصادية في اليمن. إن استمرار التصعيد والتشرذم الاقتصادي لا يصب في مصلحة أحد، فهو ينهك الأسر اليمنية ويكبّل القطاع الخاص، ومن الضروري إيجاد الإرادة والمساحة للتحرك، وقد حان الوقت لذلك.”
لاحظتُ التواطؤ وعدم الحيادية والتعمد في استمرار معاناة الشعب اليمني.

وفي هذا الإطار، أرحب بالخطوات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن، والحكومة اليمنية على نطاق أوسع، لمعالجة انخفاض قيمة العملة في الآونة الأخيرة. وأهنئهما على التحسّن الملحوظ في سعر الصرف في مناطق الحكومة اليمنية، كما أشيد بجهود الحكومة في استقرار أسعار السلع الأساسية في ضوء الارتفاع الأخير في قيمة العملة. وآمل أن تشكل هذه الخطوات بداية لتعافٍ مستدام.
★ لاحظتُ الكذب والفشل الكبير؛ أعتقد أن الإجراءات التي اتخذها البنك في عدن هي حل مؤقت وجذري في آنٍ معًا، والكل يعلم أنه حلّ مؤقت، وكذب بشأن انخفاض الأسعار التي لم يلاحظها في الإحاطته، أما على الواقع فلا. ★

السيد الرئيس، لتحقيق تقدم مستمر، كما ذكرت سابقًا، يتعين على الأطراف اتخاذ خطوات من شأنها تعزيز الثقة وحسن النية. غير أننا، للأسف، شهدنا خلال الشهر الماضي ما يناقض ذلك، من خلال قرارات أحادية وتصعيدية تهدد بتعميق الانقسامات بين مؤسسات الدولة وهياكلها. ومن بين هذه القرارات إصدار أنصار الله عملات معدنية جديدة من فئة 50 ريالًا وأوراقًا نقدية من فئة 200 ريال، وهو ما يفاقم تجزئة الريال اليمني ويعقّد المناقشات المستقبلية لتوحيد الاقتصاد اليمني ومؤسساته. وهناك أيضًا أمثلة أخرى لقرارات أحادية تسهم في تفكيك المؤسسات بدلًا من توحيدها. هذه خطوات في الاتجاه الخاطئ. وبدلًا من ذلك، أحث على الحوار بين الأطراف باعتباره السبيل الوحيد للتوصل إلى حلول مستدامة وطويلة الأمد لجميع القضايا التي تمس الحياة اليومية لليمنيين.
★ لاحظت عدم الحيادية والكيل بمكيالين عندما اعتبر الحلول الصحيحة التي اتخذها أنصار الله في الحفاظ على العملة اليمنية وبقائها في التداول اليومي معضلة أمام المباحثات وتقسيم الريال وتجزئته. ★

الملف السياسي والعسكري
قال:
“مواصلة العمل مع المنطقة والمجتمع الدولي من أجل استقرار اليمن ودعمه. ويشمل ذلك تلبية الحاجة إلى ضمانات أمنية، بما في ذلك ما يتعلق بالبحر الأحمر. إن الضبط الأخير لشحنة كبيرة من الأسلحة ومعدات التكنولوجيا المتطورة قبالة ساحل اليمن على البحر الأحمر يؤكد مجددًا ضرورة تذكير جميع الدول الأعضاء بواجبها في الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة بحظر الأسلحة.”
★ لاحظت أن المبعوث يتبنى رواية تحالف العدوان ويتكلم بلسانهم دون أدنى شواهد حقيقية، وهنا الفضيحة الكبرى والطامة العظمى. ★
السيد الرئيس، في أعقاب غرق سفينتين قبالة الساحل الغربي لليمن مطلع يوليو/تموز، لم يُرحَّل حتى الآن بعض أفراد طاقم سفينة “إم/في إترنيتي سي” الناجين إلى بلدانهم الأصلية. وأدعو أنصار الله بشدة إلى تسهيل عودتهم الفورية.
لكي يحظى اليمن بفرصة حقيقية للسلام، لا بد من حمايته من التورط المتزايد في دوامة الاضطرابات الإقليمية المستمرة نتيجة الحرب في غزة. ولذلك، يجب أن تتوقف الضربات ضد السفن المدنية في البحر الأحمر، كما يجب وقف الهجمات الصاروخية على إسرائيل.
★ لاحظوا هذا هو الوجه الحقيقي للمبعوث، وهذا هو العمل الرئيسي الذي يعمل من أجله: حماية إسرائيل والدفاع عنها. ★
والهجمات الإسرائيلية اللاحقة على اليمن. وإلى جانب تعقيد فرص الوساطة للتوصل إلى تسوية طويلة الأمد للنزاع في اليمن، أدى هذا التصعيد إلى تدمير شبه كامل لمرافق موانئ الساحل الغربي لليمن، مما يفرض ضغطًا هائلًا على البنية التحتية الحيوية في البلاد. فعلى سبيل المثال، استغرق تفريغ الشحنات في ميناء الصليف الشهر الماضي ثلاثة أضعاف الوقت مقارنة بشهر يونيو/حزيران، ولم ترسُ سوى سفينتين في يوليو/تموز، ظلتا في الميناء طوال الشهر. وتشكل الزيادة في أوقات الانتظار والتفريغ في موانئ الحديدة والصليف مصدر قلق كبير نظرًا لأهميتهما كنقطتي دخول أساسيتين للسلع الغذائية الضرورية.
يمكن إيقاف هذا المسار.
★ لاحظت الصهينة الواضحة؛ لم يدن العدوان الإسرائيلي على المنشآت المدنية للموانئ اليمنية وتدميرها بقدر ما أبدى بعض القلق ولم يشرح كيفيّة إيقاف هذه الأعمال ولا أسبابها. ★
لكننا نشهد بدلاً من ذلك مزيدًا من التصعيد، لا سيما إعلان أنصار الله في 27 يوليو/تموز توسيع نطاق السفن التي ستستهدفها. هناك حاجة ماسة إلى خفض تصعيد العنف وتجديد التركيز على الدبلوماسية لحماية الشعب اليمني وتفير استقرار إقليمي أوسع.

شاهد كيف يعارض كل ما هو ضد الكيان، ومنه العمليات العسكرية اليمنية وتوسيع الاستهداف للسفن الملاحية التي تدعم إسرائيل؛ اعتبره تصعيدًا وعنفًا يهدد أمن المنطقة. ★

خاتمة
السيد الرئيس، من الواضح أن هناك 23 موظفًا تابعين للأمم المتحدة، إلى جانب آخرين من المنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية ومنظمات المجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية، في أوضاع يائسة. وهذا أمر غير مقبول. يجب الإفراج عنهم جميعًا فورًا ودون قيد أو شرط.
أود أن أشكر هذا المجلس مرة أخرى على مواصلته الدعوة للإفراج عن هؤلاء المحتجزين، وكذلك على دعمه الأوسع لليمن. وكما ذكرت مرارًا، فإن التوصل إلى حل مستدام للوضع في اليمن ليس ممكنًا فحسب، بل هو ضرورة ملحّة. ورغم أنه لا توجد حلول بسيطة للتحديات التي نواجهها، يجب أن نعزز جهودنا الجماعية مسترشدين بالتزامنا المشترك بإحراز تقدم دائم في اليمن.
شكرًا جزيلًا، السيد الرئيس.
خلاصة الكلام:
﴿مَّا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡكِتَٰبِ وَلَا ٱلۡمُشۡرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيۡكُم مِّنۡ خَيۡرٖ مِّن رَّبِّكُمۡۚ وَٱللَّهُ يَخۡتَصُّ بِرَحۡمَتِهِۦ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلۡفَضۡلِ ٱلۡعَظِيمِ﴾
صدق الله العلي العظيم، ومن أصدق من الله قيلًا.

الكاتب من اليمن

قد يعجبك ايضا